زيارة الحبر الأعظم إلى لبنان.. رسالة سلام للمنطقة

حظيت زيارة بابا الفاتيكان بينيديكتوس السادس عشر للبنان باهتمام وسائل الإعلام ورجال السياسة والمتابعين، نظراً للموقع الذي تشغله الفاتيكان على أنها المرجعية الروحية للكاثوليك في العالم، ونظراً للاحترام الذي تحظى به شخصية البابا بين القيادات السياسية والمرجعيات الروحية جميعها في الشرق والغرب.

وقد وجه الحبر الأعظم رسائل عديدة في المحطات التي توقف فيها أو في التصريحات والعظات التي ألقاها، أو في الإرشاد الرسولي الذي وجهه لبلدان الشرق الأوسط، أظهرت اهتمام الفاتيكان بملفات المنطقة الساخنة، وبالدعوة الصريحة إلى إحلال السلام فيها.

واستُقبل الضيف الكبير رسمياً وشعبياً من الرئاسات اللبنانية الثلاث، ومن هيئات روحية من المسيحيين والمسلمين، ومن وفود روحية وشعبية قدمت من سورية والعراق والأردن ومصر وقبرص، ومن بلدان الاغتراب.

وكان البابا في كلماته وفي الفقرات التي اختارها من الإرشاد الرسولي الذي أعده للشرق الأوسط، ووقعه في بازيليك حريصا، بحضور رئيس الجمهورية اللبنانية ميشيل سليمان والبطريرك غريغوريوس الثالث لحام الذي تقدم مستقبليه، وأمام حشد شبابي في صرح بكركي بحضور البطريرك بشارة الراعي الذي تقدم المرحبين به في الصرح البطريركي، وفي عظته أثناء القداس الذي ترأسه عند الواجهة البحرية لبيروت بحضور 350 ألف شخص، قد ركز على ضرورة إحلال السلام، والسعي من أجل التسامح في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني شعوبها العنف والويلات. ودعا إلى حوار بين الأديان، ودان الأصولية التي تقوم على رفض الآخر وتنشر العنف والموت.

وكان البابا قد أدلى بتصريح للصحفيين وهو على متن الطائرة قال فيه: إن إرسال السلاح إلى سورية خطيئة كبرى، ومن الواجب إرسال أفكار سلام بدلاً منه.

وركز البابا في الإرشاد الرسولي على ضرورة تجذُّر المسيحيين في الشرق، وأشار إلى شراكتهم في بناء الأوطان، ورأى أنه من غير الجائز أن يُنظر إليهم كمواطنين من الدرجة الثانية، كما دعا إلى إحلال سلام في منطقة الشرق الأوسط يقوم على احترام كرامة الشعوب وحرية البشر، وأكد أنه لاتنمية دون سلام ولا سلام دون عدالة.

ودعا البابا إلى تجديد مفهوم العيش المشترك، وإلى تسامح الأغلبية مع الأقلية، ورفض الهيمنة.

وقد ثمّن البطريرك لحام اهتمام البابا بمنطقة الشرق الأوسط، ووقوفه إلى جانب آلام شعوبها، ورأى البطريرك الراعي أن الزيارة تشكل ربيعاً روحياً يمهد لربيع عربي حقيقي.

ووجه مطارنة حلب نداء إلى البابا، طالبوه فيه باستخدام نفوذه لتحقيق الإسراع في وقف العنف وإحلال السلام في سورية.

ورأى عطا الله حنا، رئيس أساقفة سَبَسْطية للروم الأرثوذكس بفلسطين، أن تصريحات البابا، بشأن عمليات تهريب السلاح إلى المجموعات الإرهابية بسورية، مهمة جداً، وأن الحوار الذي يدعمه البابا هو الذي سيوصل السوريين إلى الاستقرار.

وكان الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، المقيم في قطر، وجه بياناً شديد اللهجة ضد زيارة البابا، واتهمه بإثارة الفتنة، وبتخويف المسيحيين في الشرق من الإسلام السياسي، لكن بيانه لم يلق أي اهتمام في زحمة الاحتجاجات الوسعة التي عمّت المنطقة ضد الفيلم الأمريكي المسيء إلى شخصية الرسول الكريم، وضد المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة.

وتعد الزيارة البابوية إلى لبنان والفعاليات التي جرت على هامشها، رسالة محبة لشعوب المنطقة، وإشارة تحذير لأولئك الذين يؤججون نيران الكراهية ويصرفون أنظار الشعوب عن مشكلاتها الحقيقية، ويفككون الدول عبر إثارة النزعات القبلية والمذهبية والإثنية، وهي دعوة للقوى المؤثرة في المنطقة وللدول النافذة في الأسرة الدولية كي تقوم بواجبها في تأمين وقف العنف وتحقيق الاستقرار في منطقة مضطربة، وأن ينفذوا التزاماتهم بروح حيادية ودون استقواء أو إملاءات تنطلق من مصالح أحادية ضيقة.

العدد 1104 - 24/4/2024