من الواجهة الأخرى للصراع… رئيس وزراء غير أهل

أصبح مناحيم بيغن في بداية صيف 1983 غير أهل لمنصب رئيس الوزراء. وأُخفي هذا السر عن مواطني إسرائيل أسابيع طويلة، وقد سكت وزراء ورؤساء المؤسسة الأمنية وأخفوا الحقيقة في قلوبهم.

وفي أواخر صيف 2012 يوجد لإسرائيل مرة أخرى رئيس وزراء غير أهل. ويعلم وزراء كثيرون هذا. إن الوزن الضخم الملقى على قادة الجهاز الأمني – بإزاء إمكانية الأمر بحرب في موعد قريب من الانتخابات في الولايات المتحدة مضاد للولايات المتحدة، وبقصد جرها إلى حرب بعكس إرادتها – هو نتاج هذا الإدراك. وكذلك أيضاً تصريحات عسكريين صقور عن الجنون المسيحاني الذي أصاب رئيس الوزراء.

إن هجوم رئيس الوزراء الشاذ على الولايات المتحدة؛ والتدخل السافر لمصلحة ميت رومني والمشاركة في حملته الانتخابية؛ والشجار الاستراتيجي الظاهر مع الولايات المتحدة الذي أفضى إلى وطء الحلف الاستراتيجي الوجودي معها في اللحظة الحرجة – كل ذلك تم برأيٍ من رجل واحد فقط، ووزراء الحكومة ينظرون في دهشة وذعر.

أعلن بيغن قائلاً: (لم أعد أستطيع). ولن يفعل رئيس الوزراء الحالي ذلك، بالعكس. فكلما تبين له بُعْد الواقع الداخلي في رأسه عن الواقع نفسه، إذ ظهر مثلاً فشل رهانه على رومني، فإنه قد يزيد في تطرف توجيهاته المهيجة وأفعاله غير الموزونة بصورة تُعرِّض وجود إسرائيل للخطر. وينبغي ألا نخطئ، فاحتمال حرب إيران بصورة غير منسقة لم يغب.

مسؤولية الوزراء هي أن يقرروا من أجله. يستطيع بني بيغن أن يكون رئيس وزراء معقولاً، وكذلك دان مريدور وسلفان شالوم وموشيه يعلون وآفي ديختر وإيهود باراك، بل إن أفيغدور ليبرمان الذي يحرض على العنصرية أكثر أهلية من رئيس الوزراء الذي يتولى عمله. ومهما يكن الأمر، فإنه يجب على واحد منهم أن يحل محل رئيس الوزراء غير الأهل، وفوراً.

لم ينتخب رئيس الوزراء الحالي لمنصبه شخصياً من قبل الجمهور؛ فقد فاز حزب الليكود في المركز الثاني في الانتخابات، وأحرز الائتلاف الحاكم أكثرية في الكنيست. ومن الواجب على الائتلاف الآن أن ينصب رئيس وزراء أهلاً.

في مآسٍ عائلية كثيرة يكون سكوت العارفين هو الذي يُمكن من الكارثة. وتوجد أسباب للسكوت، في مقدمتها الخوف الشخصي وخشية ما سيحدث للعائلة إذا عُرف السر. لكن حينما يفي العارفون بواجبهم ويتحدثون يصبح كل شيء أسهل فجأة. وقد استطاعت القيادة العليا الأمنية أن ترى مثالاً لذلك، حينما عارضت حرب الأمريكيين الآن. ورأى رئيس الدولة شمعون بيرس كيف نجح حينما أدى عمله – بأن كف عن الصمت وكشف عن الحقيقة – في أن يجعل قصيدة حاييم حيفر غير دقيقة.

يكثرون اليوم الحديث عن (إخفاق)، وهذا خطأ. لم يكن (إخفاق) في سنة 1972 – 1973. فمن السهل أن نكون حكماء بالنظر إلى الوراء، لكن لم يكن الحديث آنذاك عن مخطئ وحيد. فقد رفض اقتراح أنور السادات السلام ونزع السلاح مقابل الانسحاب الكامل إجماعٌ إسرائيلي مؤسسي كامل، وهذا الأمر مفهوم. فقد كانت الشواطئ الذهبية الحرة للإمبراطورية الجديدة لذيذة كثيراً، وبدا أن مواطني سيناء القليلين يفضلون الحكم الإسرائيلي، وبدا أن الجيش الإسرائيلي غير قابل للإصابة بعد 1948 و1956 و،1967 فلماذا نعيد الأرض؟

إن الإخفاق هو اليوم.. وهو إخفاق وجودي. وكما هي الحال بشأن معارضة الحرب قبل الانتخابات في الولايات المتحدة بلحظة، تعرف المؤسسة الأمنية السياسية الإسرائيلية كلها، ومنها كبار الوزراء، أن السياسة التي تدوس الأساس الاستراتيجي لأمن إسرائيل – الحلف مع الولايات المتحدة – هي خطر وجودي، وأن الحديث عن رأي فرد واحد، فرد يجر وراءه إسرائيل إلى خطر، إذا قيست تكاليف حرب يوم الغفران به كانت ضئيلة.

إذا لم يفِ وزراء الحكومة بواجبهم وكتموا السر الخطير ولم يستبدلوا رئيس وزراء غير أهل – فسينقل إخفاقهم المسؤولية إلى المواطنين، فسيكون واجبهم أن يأتوا إلى صناديق الاقتراع بنسب مشاركة مرتفعة جداً. ومن الواجب على قادة الأحزاب التي ليست من اليمين المتدين أن يدركوا أن هذه اللحظة غير عادية، وأن ينشئوا أكثرية فاعلة من 61 نائباً لإبعاد رئيس وزراء غير أهل، وأن هذا الواجب يسبق كل اعتبار شخصي وحزبي عادي. وسيكون الإخفاق على كل من لا يتسامى ولا يعمل.

 

(هاآرتس)، 25/9/2012

عن نشرة (المصدر)

العدد 1104 - 24/4/2024