من صحافة العدو…

ليست معركة ضائعة

 

 لا حاجة للتأثر بهتافات الفرح المبرمجة في شوارع غزة. فقد تلقت حماس ضربة شديدة، ودخل القطاع مرة أخرى في عملية إعادة بناء طويلة. بالمقابل فإن القبة الحديدية وحصانة الجبهة الداخلية الإسرائيلية كفيلة بأن تغير قواعد اللعب حيال كل خصوم إسرائيل وعلى رأسهم إيران. إن إعلانات النصر في العالم العربي هي شيء ما ينبغي التعاطي معه بقدر صحيح من الشك. رئيس الوزراء الراحل مناحيم بيغن فوجئ إذ رأى في الإسماعيلية لافتات كبرى تعلن عن انتصار مصر في حرب يوم الغفران.

عندما سُئل السادات لماذا يُعرّف الحرب بالانتصار فأجاب: (تصوروا أن هناك تلميذين في الصف ذاته. واحد ممتاز وآخر راسب بشكل دائم. في سنة معينة حصل الممتاز على علامة متوسطة، والراسب حصل على علامة ناجح. في هذا الوضع سيرى الممتاز نتيجته رسوباً، والراسب سيرى فيها انتصاراً).في الشكل ذاته احتفل حسن نصرالله في العام 2006 بالانتصار في حرب لبنان الثانية، وكبت صرخة النجدة للسكان الشيعة بدفع تعويضات فورية بمبلغ 12 ألف دولار لكل عائلة. وهذا ما حصل أيضاً الأسبوع الماضي في قطاع غزة. فقد أعلنت حماس عن الانتصار، وسارعت إلى إخراج جوقات من النشطاء إلى الشوارع ممن تجرؤوا لأول مرة على تنفس الهواء فوق الأرض.

ولكن ليس لحماس شيء تعرضه على سكان القطاع باستثناء الضحايا، والدليل هو أن رئيس وزراء مصر أخذوه لزيارة المستشفى ومشاهدة الجثث والجرحى.

الاحتفالات المفتعلة في غزة تشبه التصريحات الكفاحية من جانب الأمهات الفلسطينيات، بعد أن يقتل أو يصفّى أبناؤهن. في الليل، خلف الستار السميك، فإن هؤلاء النساء يبكين ضحاياهن مثل كل أم أخرى في العالم. في غزة أيضاً يدخل السكان الآن في عملية طويلة ومضنية من إعادة البناء، والهتافات استُبدل بها منذ الآن صرخاتُ النجدة على الهدم الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي.

الشيك لحزب الله على (الانتصار) في 2006 وقعته إيران، أما الشيك لحماس فسيدفعه أمير قطر. هذه هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي بقيت مع احتياطات نقدية هائلة، نفقات صغيرة وتطلّع للعب دور هام في الشرق الأوسط.

لقد غيرت حملة (عمود السحاب) قواعد اللعب في الشرق الأوسط. 500,1 صاروخ أُطلقت على مدن إسرائيل، وبضمنها تل أبيب. وكان الأثر أبعد بكثير من أثر صواريخ نصرالله في 2006. أما تحسين التحصين، قدرة الإنذار المبكر، الانضباط الذاتي وقدرة الامتصاص المثيرة للانطباع لدى السكان، وبالأساس دخول (القبة الحديدية) إلى المعركة، كل هذا شطب على نحو شبه مطلق النبوءات الأخروية للدمار الهائل الذي سيحدثه هجوم صاروخي على إسرائيل.

فليست حماس وحدها هي التي تلقت ضربة شديدة: فقد بات واضحاً الآن أن التهديد التقليدي الإيراني أصغر مما اعتقده الناس. الهجوم الإسرائيلي قد يكون وقع على غزة، ولكن في طهران يحطمون الآن الرأس كي يجدوا حلاً للواقع الجديد الناشئ.

في مجال واحد انتصرت حماس بالفعل: مسؤولوها المغرورون مثل خالد مشعل ومحمد ضيف، نجحوا في أن يكونوا في الوعي العربي رواية نجاح، وكأنهم كانوا قادرين في المعركة مع دولة إسرائيل والجيش الإسرائيلي. وقد ساهم في ذلك امتناع حكومات إسرائيل عن كل محاولة للتأثير على الرأي العام في العالم العربي. فقد وجه الجهد الإعلامي نحو الولايات المتحدة والغرب، بينما أهملت الجبهة الشرقية تماماً.

خلافاً للاعتقاد السائد، فإن الإعلام في الدول العربية ليس معركة ضائعة، ويمكن النجاح فيها. فالمعركة أمام منظمات الإرهاب هي بقدر كبير معركة على الصور ومعركة على الوعي، ودولة إسرائيل لا يمكنها أن تواصل السماح لنفسها بالتغيب عن هذه الجبهة تماماً.

إيلي أفيدار

(معاريف)، 25/11/2012

الدكتور مرسي ومستر هايد

 

استكشف الغرب الدكتور مرسي بعد أن أسهم في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. فقد أصبح السيد هايد بعد 24 ساعة. فماذا سيفعلون الآن في واشنطن؟ إنهم ينتقدون ويرجون الخير. فهم في البيت الأبيض لا يريدون زعزعات ويُوضحون ذلك للجيش المصري. فالديمقراطية تكون أحياناً قيمة عليا، ويكون الاستقرار والمصالح كذلك مرة أخرى. بيد أنهم سيلتقون مرة أخرى في ميدان التحرير في يوم الثلاثاء، سيكون هناك من جهة الإخوان المسلمون، والرئيس، والباقون من جهة أخرى.في سنة 1982 حصل الدكتور مرسي من جامعة جنوب كاليفورنيا على شهادة الدكتوراه في هندسة المواد. وفي الحادي والعشرين من تشرين الثاني 2012 حصل مرسي نفسه من الأمريكيين على لقب سياسي بعد أن ساعد صديقه الجديد أوباما على هندسة اتفاق في غزة. لكن الدكتور مرسي مختص أصلاً بهندسة الأجهزة: فبعد أن سيطر ديمقراطياً على الجهازين التنفيذي والتشريعي، جعل السلطة القضائية تركع. قبل 22 شهراً بدأ الاحتجاج الكبير في مصر، الذي أفضى إلى خلع مبارك. ولم يكن مرسي ورفاقه في أحداث الافتتاح، بل تركوا الشباب الليبراليين وناس الحكم القديم والجيش ينغمسون في الوحل. ووصل الإخوان المسلمون في الوقت بالضبط لقطف ثمرات السلطة الناضجة.

إن المواجهات التي نشبت هذه المرة في مصر هي على القوة والشرعية والرؤيا. وعند خصوم الرئيس، وهم ناس الحركات العلمانية والليبرالية، وعلى رأسهم أشخاص مثل محمد البرادعي، وعمرو موسى، وحمدين صباحي، مشكلة: فلمرسي الشرعية الأهم، لأنها جاءت من الشعب بعد انتخابات ديمقراطية ودعم غربي من البيت الأبيض، وهو ما لم يكن لمبارك. لكن الذي لا يوجد عند مرسي هو ميراث التحرير لأن الإخوان المسلمين فازوا بسبب الفساد.

وهذا هو ما جعل مرسي يختار أن يلف في يوم الخميس القرارات الرئاسية غير المقبولة بقرارات منطقية. إن إقالة المدعي العام القديم وهو من ناس مبارك، وقرار أن تُفتح من جديد ملفات مشتبه بتورطهم في قتل متظاهرين ليست مشكلة بل بالعكس. لكن المشكلة هي الإضافة، أعني تلك الأوامر التي تجعل مرسي فوق القانون.

هل كان نافعاً لمرسي – البراغماتي والباحث عن السلام، والسياسي – أن يُفسد في يوم واحد كل الإطراءات التي حصل عليها يوم الأربعاء؟ نعم من جهته لأن المصلحة الأولى بالنسبة إليه هي الدفاع عن لجنة صياغة الدستور التي ستُشكل وجه مصر الجديد.عمل فريق من 100 عضو في مصر في الدستور الجديد، الذي عمله في الأساس أن يصوغ المكانة الإسلامية لمصر الجديدة. وقد استقال كثيرون من الليبراليين واليساريين من اللجنة للسبب نفسه بالضبط. وتفحص المحكمة الدستورية طلب فض اللجنة، لأنها لا تمثل جميع طبقات الجمهور، وفيها أكثرية ساحقة للحركات الإسلامية. ولا يوجد في تلك اللجنة أي تمثيل للأقباط أو لحركة شباب 6 نيسان الذين أفضوا إلى ثورة التحرير. لم يُقدر مرسي تقديراً صحيحاً الضغط العام، وغضب جهاز القضاء، عقب أوامره غير الديمقراطية. بل إنهم في مدن مثل الإسكندرية والإسماعيلية وبور سعيد أتلفوا مكاتب لحركة الإخوان المسلمين. وربما يكون مرسي من جهة أخرى قد حصل على شهادة تأمين تُمكّنه من أن يتصرف كما يتوقع منه بالضبط، أي مثل (فرعون مستبد جديد). لقد استوعبوا كما يبدو في البيت الأبيض أن مستبداً إسلامياً حل محل مستبد علماني في مصر. وربما بسبب هذا جاء انتقاد مرسي في نهاية الأسبوع من وزارة الخارجية الأمريكية لا من البيت الأبيض. هناك من اعتقد أنه على أثر تقريب مرسي بين وجهات النظر نشأ زعيم عربي سيدفع إلى الأمام باسم الشعب السلام، ويُقرب بين إسرائيل والفلسطينيين. وكان يجب أن نرى انتقاد مرسي من الداخل على أثر تقريبه بين وجهات النظر حينما سموه (دمية أمريكا كمبارك). أصبح واضحاً اليوم أن مرسي سيدفع إلى الأمام برؤياه قبل كل شيء. إن الشيء المشترك بين رؤياه ورؤيا هرتسل، لأسفنا الشديد، هو شيء واحد فقط هو اللحية.

بوعز بسموت

(اسرائيل اليوم) 25/11/2012

العدد 1104 - 24/4/2024