أحلام معلقة ترزح من ثقل المعدلات

حكاية تتكرر في كل عام أبطالها الطلاب ومعدلات القبول الخيالية، فما إن ينهي طلاب الثانوي امتحاناتهم التي أرَّقت مضاجعهم ومضاجع أهلهم معهم حتى تبدأ لحظات الخوف والضغط النفسي بانتظار النتائج. وبعد صدورها يبقى الطالب وأهله يعيشون في كابوس المفاضلة الجامعية، أملاً بحصوله على مقعد في إحدى الجامعات الحكومية -التي لا تفتح أبوابها إلا لأصحاب المعدلات المرتفعة- لكي لا يعيش تحت الضغط المادي في الجامعات الخاصة أو التعليم الافتراضي أو المفتوح.

فعلى مدى عام يجتهد هؤلاء الطلاب ويسهرون الليالي، ومعهم ذووهم لتحقيق أحلامهم في التفوق والالتحاق بكلية من كليات القمة، فتأتي النتائج ومن بعدها المفاضلة لتحطم أحلامهم على صخرة الواقع.

إنها رغبة الطالب السوري في إتمام تعليمه في المرحلة الجامعية سعياً منه لبناء مستقبله وصولاً إلى الحلم الذي رسمه لنفسه، ولكن الأمر يزداد صعوبة عاماً بعد عام، الأمر الذي بات يشكل مصدر قلق حقيقي للأهل والطلاب على حد سواء.

فأغلب الجامعات الحكومية تطلب معدل 75% من المجموع العام على الأقل لكي يدخل الطالب الفروع الجامعية الأدبية من تاريخ وجغرافية و غيرها، أما الفروع الجامعية العلمية كالطب والهندسة فتطلب 97-98%. حتى إن المعاهد المتوسطة (كالمعهد الطبي أو التجاري) تطلب 60%، والمعدلات في ازدياد كل عام. فبدلاً من أن يعتمد اختيار التخصص في المقام الأول على الرغبة لأنها المحرك الذي يحفز الطالب للإبداع في تخصصه الجامعي، نرى الاختيار يقوم على المعدلات بالدرجة الأولى دون مراعاة لرغبة الطالب وميوله واهتماماته.

أفلا نستطيع إيجاد ميزان آخر للقبول، أم أننا علقنا في عصر المسلمات البالية؟

أحلام معلقة

يتمنى كثير من الطلاب دخول الجامعة، لكنهم لا يستطيعون تجاوز عقبة المجموع المرتفع، يضاف إلى ذلك تفاوت مستوى الطالب وقدرته الدراسية، فقد يكون ضعيفاً في بعض المواد ومتفوقاً في مواد أخرى، فالطالب محمد الشعار الذي حلم بدراسة الحقوق قال: (أحلم بمتابعة دراستي إلى أعلى المستويات، ولكن حلمي تحطم بسبب ارتفاع المعدل المطلوب لدخول الجامعة. وأظن أنه من المفترض التركيز على رغبة الطالب وتشجيعه على تحقيق حلمه بدءاً من المراحل التعليمية المبكرة، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في السياسة التعليمية برمتها).

وفي المقابل صديقه حصل على أقل من مجموعه بكثير ولكنه سجل في كلية الحقوق بالتعليم الموازي لقدرته المالية على ذلك، وتساءل قائلاً: (هل سيصبح التعليم الموازي هو الوسيلة لتحقيق الرغبات، وهل سيكون حكراً على أصحاب الأموال؟).

وهكذا يتبدد حلم آلاف الطلاب، وبعضهم تفوق ونال أكثر من 95% من المجموع، لكنه لم يتمكن من دخول كلية الطب، الأمر الذي حدث مع نور التي حصلت على 228 درجة على الرغم من إعادة تقدمها للثانوية للسنة الثانية بهدف الحصول على مجموع أكبر يوازي طموحها وإصرارها، لكنها لم تتمكن من دخول الفرع الذي ترغب فيه، وبقيت رغبتها حلماً صعب المنال.

لماذا التعجيز..؟

بات النظام الدراسي في سورية يعتمد على قدرة الطالب على الحفظ، ولا يظهر أبداً قدرته وإمكاناته الدفينة، وأمسى هم الأهل دخول ابنهم الجامعة بغض النظر عن الاختصاص. فيبدأ الطالب رحلة المعاناة في دراسة اختصاص لا يهواه، وشعوره بالأسى على حلمه الضائع الذي ظل يحلم به لأيام وليالٍ، وذلك لأسباب كثيرة بدءاً من النظام الدراسي الذي يعتمد على التلقين في جميع مراحله، فتظهر عند الامتحان قدرة الطالب على الحفظ دون إبراز قدراته على التطبيق والتحليل، إضافة إلى آلية القبول الجامعي التي تحوي الكثير من إشارات الاستفهام. فهل المجموع العام أهم من اختبار قبول لفرع يريده الطالب، لماذا لا تطبق تجربة الفنون الجميلة وهندسة العمارة على كل التخصصات بدلاً من المعدلات التعجيزية؟

حال هؤلاء الطلاب كحال الكثيرين الذين رُفضت رغباتهم في المفاضلة، بسبب الطاقة الاستيعابية لجامعاتنا، قياساً إلى نسب النجاح والدرجات في الثانوية العامة. فثمة فجوة في النظام التعليمي وهي مشكلة يجب العمل بجدٍّ لإيجاد الحلول الملائمة لها. وعلى الرغم من محاولات المعنيين منذ سنوات لردمها، إلا أنهم لم يجدوا بعد الأسلوب الأفضل لذلك، وما فاقم الأمر دخول التعليم الخاص والموازي والمفتوح على الصعيد الأكاديمي، ولكن دون أن تدخل اختصاصات جديدة لجامعاتنا، بل حافظت على ما هو سائد ومطلوب في الجامعات الحكومية، فتحول القطاع التعليمي إلى قطاع منتج بعد أن كان مستهلكاً، وبدأت الجامعات تبحث عن مصالحها المادية متناسية أهدافها التربوية والتعليمية.

الأمر يتطلب المزيد من التمحيص والبحث عن السبل الناجعة للارتقاء بالقبول الجامعي بشكل خاص والجامعات بشكل عام، مع إيجاد اختصاصات جديدة تنبثق من حاجة المجتمع وتتناسب مع احتياجات سوق العمل وتتلاءم مع متطلبات العصر، وذلك من أجل الارتقاء بالعملية الدراسية في سورية.

العدد 1105 - 01/5/2024