من الصحافة العربية

إننا محبطون؟ نوعاً ما.مصدومون؟ نعم، إنْ أردت.تعِبون؟ شيءٌ من ذلك…وشيوعيون؟ طبعاً، وعلى السطوح، شيوعيون وضد الحريق وضد الماء ولنا للماء تفسيرٌ بشيءٍ غيره، إذا أردتم نفسّره لكم!

أيّها الرفاق، لا يترك عادةً شيوعيّ حزبه إلا: أو إلى الحبس أو إلى البيت.فيفترض بالشيوعي أن يكون فهيماً نوعاً ما، فكيف يترك الحزب الشيوعي إلى (حزب حراس الأرز) مثلاً؟ غريب! هل يترك إلى (فرسان مالطة)؟..غريب جداً..أو مثلاً إلى تجمّع أو منبر (خلاسي)؟..لا يُعْقَل! و(يعقل) من (العقل).إنّ الخلاسي (شكَر)، ولا شيء يضطرّنا لذلك.

قال لينين مرّة: (إذا كنتَ فعلاً غيوراً على الحزب الشيوعي ولك عليه مآخذ كثيرة وتريد إحداث التغيير، فانتسب إليه أولاً، ومن ثم حاول تغييره من الداخل).يضيف الحزب الشيوعي اللبناني، هذا إذا كنت خارج الحزب، فكم بالأحرى إذا كنت أساساً من داخله؟ هل تخرج لتصحّح لعلّك إنْ أصلحتْ، بِحَسَبَك، تعود فتدخل؟ إنّ قصّة (سمير وشجرة اللوبياء) مقنعة ومتماسكة أكثر.كيف سيهمّك تغيير أو تحديث شيء تركته؟..لا أصدّق! وابنُ سبعة أعوام لا يصدّق! أعرف أنّ لكَ رؤيةً وذكاءً وقّاداً، لكن الرفيق لينين مقبول يا رجل…ولا بأس به..

أنتَ بمعزلٍ عن أنّكَ لم تكتفِ بالخروج من الحزب وعَلَيه، أنت بُلِيتَ بالنقد على أساس أنّه (ذاتي) وقد تحوّل معك عملياً لنقدٍ للشيوعية العالمية برمّتها، وهذه مسؤولية! ولم تُرِد أنْ تفعلَ ذلك من طابق من الطوابق المتبقية لهذا الحزب الطويل الروح، فضّلتَ أن تفعلها من جريدة (النهار) مثلاً…

كلامُكَ في الليل يا رفيق، تَمْحوهُ (النهار)، مع أن ليلك (معنا) كان مديداً محمّلاً بالمواقف الحزبية الحازمة والصاخبة أحياناً، هل كنتَ صادقاً كلّ هذا العمر؟ فالعكس مرعب.وإذا كنتَ صادقاً، فكيف استطاع أن يمحو ماضيكَ النهار؟ ليس حتّى النهار، نهار! نهارٌ واحدٌ هو.خرجتَ من الشيوعية إلى اليسار، إنّكَ خرجتَ ولن تعود…

أيّها الرفاق، لا تحلّلوا كثيراً ولا تحاسبوا، لم يترك الحزب إلا مَن كان يجب أن يتركه، ولم يَطْفُ على سطحه أو يهوِ إلى قعره إلا مَن كان محكوماً بذلك.إنّ الطفيليات تغادر عادةً مرتاحة البال، فقد أتمّت عملها وانتقلت إلى نشاطٍ آخر.

لا تأسفوا عليها ولا على الخبز والملح.ماذا؟ هل تريدون أن تقدّموا حزبنا الشيوعي دون تنظيف؟ هذا عيب، بحقّه، بحقّنا، وبحقّ كل المدعوين إليه يومياً.وشكراً.

زياد عاصي الرحباني

(الأخبار) 14/11/ 2012

 

الدوحة وأخواتها

منذ أكثر من شهرين وكل من مرّ على المجلس الوطني السوري، من مؤسسين ومستقيلين وأعضاء ومنتسبين ومبشرين بالعضوية، يتوافدون على الدوحة من أجل إخراج هذا الجسد من غرفة العناية المشددة التي فشل الطبيب إريك شوفالييه في إخراجه منها وحده.فلا الصورة الجماعية لقيادته مع الرئيس هولاند، ولا الضخ المالي والدعم الديبلوماسي كان كافياً.

العقل البراغماتي الأمريكي كان أكثر حذاقة عندما أخذ بعض الأفكار المطروحة من السيد رياض سيف، فأعاد صياغتها بما يتناسب مع الخروج الراديكالي من قصة المجلس الوطني السوري.السيدة هيلاري كلينتون أعلنت نهاية صلاحية البضاعة.وصار من الضروري أن تحدث الولادة القسرية والقيصرية لمولود جديد يستلم ولاية العهد عن أخيه الذي لم يستثمر البيعة الخليجية والتركية والغربية، ولم يكسب الناس، ولم يطور خطاباً سياسياً قادراً على مواكبة حالة العنف المدمر الذي تعيشه البلاد.

لعل أولى نقاط ضعف المجلس القديم كانت في دعمه الأعمى لفكرة واحدة هي التسلح واستجلاب السلاح لمجموعات عسكرية فشل في توحيدها أو جعل أفقها السياسي حاضراً وناضجاً.

وقد استبشر المرء خيراً في كلمة الشيخ أحمد معاذ الخطيب الذي تحدث في السياسة والدين ولم يتحدث في العنف والسلاح.إلا أننا لم نلبث أن استلمنا عدة معطيات واستشهادات مخيفة بالفعل يؤكدها مادة واضحة في الإتلاف الوطني السوري (كما يلفظ اسمه السيد حمد بن جاسم)، فالسيد الخطيب يستدرك ما نسي في خطاب التنصيب فيقول: إنه يريد اعترافاً أوربياً ودعماً مالياً للائتلاف، ويتابع أنه عندما يحدث الاعتراف السياسي فإن هذا سيجعل الائتلاف يتصرف كحكومة، ومن ثم يحصل على أسلحة، وهذا سيحل المشاكل.

مبهمات نص الدوحة كثيرة، ورفض الحوار والتفاوض لم يكن بحاجة إلى جسم سياسي، فهذه مهمة المقاتلين. المشكلة أن هناك من يريد أن يملي على السوريين ما يفعلون، وأن يجبرهم على فعل ما يريدون وما لا يريدون، وأن يتحولوا إلى إمعات، كما قال الأستاذ عصام العطار.

قبل المؤتمر قال الخطيب: إن التفاوض واجب شرعي وسياسي، بعد الكرم القطري، اكتشف الإمام أنه أخطأ الفتوى فله فضل واحد، أما فورد وشوفالييه، فلهما فضلان.

هيثم منّاع

(السفير) 14/11/2012

 

 

غزة وأوباما واختبار الربيع العربي

 تكثر الخلفيات والأهداف التي تقف وراء الحرب الإسرائيلية المفتوحة على غزة. ولا تتوقف الوظيفة الإسرائيلية لتصعيد اليومين الماضيين عند الهدف الانتخابي بالنسبة إلى نتانياهو قبل 3 أشهر من الانتخابات المبكرة التي يأمل بالفوز بها على منافسيه تحت شعار حفظ أمن الإسرائيليين الذي يشكل الأوّلية عندهم.

تتعدد وظائف التصعيد الإسرائيلي في ظل الأوضاع الإقليمية المتشابكة والمعقدة، ويمكن ذكر الآتي منها على سبيل المثال لا الحصر:

1- إنها رد مسبق على استعداد السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس للتوجه إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة لطلب التصويت على اعتماد فلسطين دولة غير عضو في المنظمة الدولية وفق حدود ،1967 وما يرتبه ذلك من اعتبار الأراضي الفلسطينية المتنازع عليها، أراضي تحتلها إسرائيل، ما يعدّل قواعد التفاوض بين الجانبين عليها.

2- إنها اختبار لإمكان استعادة التحالف بين إسرائيل نتانياهو وأمريكا باراك أوباما بعد تباعدهما نتيجة انحياز الأول إلى منافس الثاني في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والخلاف المزعوم على الحرب ضد إيران بفعل إصرار نتانياهو على انتزاع تأييد واشنطن لعمل عسكري ضد طهران.

لقد تأكد نتانياهو بإعلانه الحرب ضد غزة من عودة التطابق بينه وبين أوباما إزاء الفلسطينيين، بل حصل على الضوء الأخضر من أوباما نفسه بعد المحادثة الهاتفية المهينة التي أجراها الرئيس الأمريكي مع الرئيس الفلسطيني الأحد الماضي، التي حاول فيها ثنيه عن التوجه إلى الأمم المتحدة لانتزاع الاعتراف، والتي انتهت إزاء إصرار أبو مازن على ما يشبه التهديد حين قال له أوباما: (إنكم ستشعلون المنطقة برمتها).

3- إنها اختبار (وتحدٍ) إسرائيلي، وأمريكي أيضاً، لدول الربيع العربي عموماً وأنظمتها الجديدة، ولمصر خصوصاً، ولمدى استعدادها لتحقيق شعارات الحركة الشعبية التي انتفضت على الأنظمة الاستبدادية إزاء القضية الفلسطينية.وهما اختبار وتحدٍ ليسا فقط لأن مصر شعرت بالخديعة الإسرائيلية بعدما كادت جهودها تنجح في تثبيت الهدنة، بل لأن النظام الجديد في مصر معني، كغيره من الأنظمة الجديدة، باستعادة الكرامة إزاء الصلف الإسرائيلي والاستعلاء الأمريكي. وهو ما فرض ردود الفعل المصرية التي لم تكن لتحصل أيام النظام القديم.

والأرجح أن اختبار الربيع العربي عبر حرب غزة الجديدة لن يكون على المدى المتوسط والبعيد لمصلحة إسرائيل، وهذا ما لا تدركه واشنطن وتل أبيب.

وليد شقير

(الحياة)،  16/11/ 2012

العدد 1105 - 01/5/2024