بين زواج السترة وثورة أنثى.. المرأة السورية تسعى لتغيير واقعها

انشغل الإعلام  في الفترة الماضية بقضية النساء السوريات اللاجئات، اللواتي يُزوَّجن قسراً تحت مسميات مختلفة، أكثرها تداولاً (زواج السترة)، لتظهر مرّة أخرى صورٌ مختلفة لاستغلال المرأة، فيستغلّها الأهل اقتصادياً عندما يزوجونها تحت مسمى السترة، فيقبضون لقاء زواجها أجراً أو ينالون عطية ما، عينيةً كانت أو ماديّة. وتستغلّها السياسة لتخدم قضاياها، فهي لا تعنيها تلك المرأة التي انتهكت حقوقها وإنسانيتها، وتمّ التلاعب بمصيرها وحقّها بالاختيار، بل تعنيها ما يخدم توجهاتها وما يخدم أجنداتها أينما كانت اتجاهاتها. فهي تلك المرأة التي خرجت خارج الحدود، لذلك نالها نتيجة ما فعلته هي وأهلها، أو خدمة لهؤلاء الذين يريدون أن يصوروا ذلك الظلم الواقع على اللاجئين نتيجة نزوحهم القسري وما نجم عنه من انتهاكات للأطفال والمرأة.. فهذه السياسة لا تعنيها حقوق المرأة، ولا تعنيها آلية وصول المرأة إلى حقها وكيفية حمايتها، بقدر ما يعنيها إبراز ما يحدث لوسائل الإعلام باهتمام لا مثيل له، لتذهب تلك القضية مع آخر كاميرا تزور المنطقة…

لا تزال المرأة اليوم تعاني المعاناة نفسها تحت الأضواء أو خلفها، ولا تزال قضايا المرأة رهينة للظروف، فهي من خصوصيات المجتمعات عندما تريد السياسة  ذلك، وهي من حق الجميع عندما تريد أيضاً ذلك.

ما ينتهك حقوق المرأة فعلياً ويستغلها اقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً هي السياسة، هي المتحكم الأزلي بقضاياها، تخرج إلى العلن عندما تريد السياسة ذلك، وتنطوي تحت الكتمان أيضاً عندما تريد ذلك.

المرأة السورية اليوم تنتفض عليهم جميعاً، فهي لم تعد تلتفت إلى كل ذلك الكلام المجاني، إنها اليوم تخطط لمستقبلها و تعمل لأجله، فلم تعد تريد انتظار من يعطيها حقها، ولن تلتفت إلى كل هؤلاء الذين شجبوا واستنكروا ما حدث ويحدث لها، فقد فهمت اللعبة جيداً وقررت التغيير بذاتها. لم تعد ترضى بتلك الزاوية التي حُشِرت فيها عقوداً طويلة تحت عباءة الدين والعادات والتقاليد، بل خرجت وتخرج منتفضة على كل أولئك الذين يستخدمونها بحسب أهوائهم، وهي اليوم تخطط لمستقبلها، النساء السوريات اليوم -وهذا لا يعني الإعلام المسيَّس بشيء-  يعملن على إدارة مستقبل جديد لهن، يرفضن التمييز في الدستور وفي القوانين، ليكتبن نصوصاً تناسب  احتياجاتهن ومقدراتهن. فالمرأة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، وهي مواطنة شريكة أساسية في التغيير، شاركت وتشارك اليوم بكل ما يحدث، فلم ولن تتوانى عن تقديم التضحيات، هي الإعلامية والطبيبة والمدرِّسة…هي كل من يساهم في وضع لبنة لمستقبل يدرك أن المرأة شريك أساسي في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. وبدونها لا يمكن أن تقوم دولة متكاملة قويّة بأبنائها، عادلة ومستقلة، حرّة ذات كرامة..انتفضت لتخرج من زاوية الحريم لتتسع لها الطرقات وتنتزع حقوقها انتزاعاً، فلا لزواج السترة، لأنها لا تحتاج إلى من يستر عليها. ولا لتسييس قضيتها، لأنها لا تقبل أن تتحوّل إلى أداة. ونعم لكل تغيير تشارك هي فيه ويضمن حقوقها ويعترف بدورها المساوي لدور الرجل، ويعترف بكليهما معاً، مواطنين لهما حقوق المواطن الحر الكريم.

العدد 1104 - 24/4/2024