من الصحافة العربية العدد 563

عودة للقرون الوسطى!

 

 تعرض المخرج نوري بوزيد لضربة قوية على الرأس (في شهر نيسان عام 2011 في تونس) لأنه طالب بدستور علماني. وبعد أسابيع قليلة من ذلك الحادث هاجم جمع من السلفيين دار سينما (أفريك أرت) الفن الإفريقي، وأطلقوا قنابل مسيلة للدموع. وذلك لمنع عرض فيلم يتعرض للأديان. وفي شهر تشرين الأول من العام نفسه تعرضت قناة تلفزيون (نسمة) لحريق بسبب فيلم وثائقي. كما أقفلت صالة عرض اللوحات (ربيع الفنون). وقد مزقت وأحرقت الرسوم كلها.

 وفي الوقت نفسه تتعرض الجامعات لمشكلات وحوادث متعددة، بسبب سريان منع المنقبات من دخول قاعات المحاضرات. وفي جامعة منوبية تتخصص إحدى كلياتها بتدريس العلوم الدينية. ولذلك أصبحت تلك الكلية هدفاً لتظاهرات (الحرس الأخضر) الذي يقوم أفراده بتعطيل المحاضرات، ورفع العلم الإسلامي الأسود، في أعلى بناء الكلية. وتتعرض الجامعات الأخرى في البلاد لنفس المضايقات، والمطالب هي نفسها: السماح للمنقبات بالدخول إلى المحاضرات، وتخصيص أمكنة في الجامعة لإقامة الصلاة، والفصل ما بين الجنسين. أي إقامة فاصل ما بينهما في قاعة المحاضرات.

 لقد اكتسبت تونس هوية علمانية كمدينة حديثة تتمتع بطابع (كوسموبوليتي) عالمي، هنا تسير الفتيات سافرات. دون خوف. على عكس مما هو عليه الحال في القاهرة على سبيل المثال. ويعد بعض الأوربيين مدينة تونس توءماً لمدينة (مرسيليا) الفرنسية. حيث يختار الناس أزياءهم بكل حرية، وخاصة في فصل الصيف.

 لا تميز حركة (النهضة) الإسلامية الحاكمة في تونس نفسها عن الحركات السلفية. ورئيسها يقول للسلفيين (لِم العجلة) في فرض الشريعة، هناك وقت.

 تتهم المعارضة حركة النهضة بالعمل بوجهين. فهي من ناحية تحبذ الانفتاح على الأفكار والنشاطات، ومن ناحية أخرى تؤيد الحركات السلفية. ولكن حركة النهضة أصدرت بياناً أكدت فيه على الديمقراطية وحرية الرأي. يقول باجي قائد السبسي رئيس الوزراء السابق وأحد أركان نظام بورقيبة، والذي أشرف على الانتخابات التي جاءت بحركة النهضة إلى الحكم، والذي يرأس حركة سياسية جديدة اسمها (نداء تونس) والبالغ من العمر 84 عاماً. (أن حركة النهضة لن تتخلى عن الحكم. وهي تود إرجاع تونس إلى عهد الخلفاء الراشدين، في القرن السابع الميلادي).

 إن السعي إلى السلطة، ليس عيباً في حد ذاته. إذ إنه هدف كل حزب سياسي في العالم. ولكن تجارب الشعوب تاريخياً وفي أزمنة الثورات والتغيير، تقتضي إقامة حكومات ائتلافية تضم كل القوى السياسية التي شاركت في القضاء على النظام الديكتاتوري.

 منذ انتخاب محمد مرسي رئيساً لمصر، ظنت حركات (الإخوان المسلمين) في الوطن العربي أن وقت حيازتها للحكم قد حان. وقد سارعت لالتقاط هذه اللحظة التاريخية. ولكن ذلك قد يؤدي إلى الانقسام المجتمعي، الذي قد يؤدي إلى الفوضى.

 يقول الإسلاميون إن زوال الطغاة هو (نصر من عند الله). ونحن نريد أن يكون الانتصار لكل المناضلين الذين أسهموا في القضاء على أنظمة الاستبداد، وبضمنهم شباب الميدان، كي لا يصح قول أجهزة الغرب الإعلامية بأن (الربيع العربي) قد انقلب إلى (شتاء إسلامي).

 سمير التنير

 (السفير)، 29/12/2012

 

 عن الخاسر والمهزوم بعد تزوير الاستفتاء

 

 والآن وبعد التزوير وكل ما كان نعود لنسأل سؤالاً جافاً وجاداً: من انتصر ومن هزم؟ والإجابة موحدة سواء عندنا أو حتى عند الإخوان، انتصر الشعب وانتصرت جبهة الإنقاذ، فقد أثبتت أنه برغم كل ما كان فإن نسبة عالية من المصريين رفضوا الدستور الإخواني – السلفي. رفضوه بنسبة أربكت الحسابات الإخوانية وحتى حساباتهم المقبلة في انتخابات مجلس النواب الآتي. وبنسبة أثبتت قيمة توحد كل القوى الوطنية والديمقراطية والليبرالية واليسارية في صف واحد موحد هو جبهة الإنقاذ الوطني، وهي قيمة ألهمت جماهير واسعة بالاصطفاف معها سواء في المسيرات أو المليونيات أو في التصويت ب (لا) على دستور يستحق ألف ألف (لا)، وأقنعت كل أطراف الجبهة بضرورة الحفاظ على وحدة هذه الجبهة وتماسكها. وبضرورة تمسكها بالعمل الموحد معاً، والمقاومة معاً، والاستعداد معاً، لانتخابات مجلس النواب المقبلة.

 والآن.. ما هي واجباتنا؟

 الإخوان وحلفاؤهم مرروا وثيقة باهتة ركيكة وملغومة بنوايا متربصة بالديمقراطية والليبرالية واحترام حقوق الإنسان، وبحقوق المواطنة المتكافئة. لكن الدستور هو مجرد ورقة مكتوبة بنصوص باردة، وتحتاج كي يجري تفعيلها إلى تحويلها إلى قوانين وممارسات عملية. وإذا كان سيدنا علي بن أبي طالب قد علمنا أن (القرآن لا ينطق وهو مكتوب، وإنما ينطق به البشر وهو حمّال أوجه)، إذا كان الأمر كذلك مع القرآن المقدس والمنزل من الله سبحانه وتعالى بأوامره ونواهيه، فماذا عن ورقة بائسة مغموسة بأفكار متخلفة ونوايا متأسلمة، ورقة نقول نحن إنها ضد مصالح الشعب والوطن ووقفت معنا في رفضها كل هذه الجماهير الغفيرة؟ والإجابة بوضوح أن الورقة بذاتها لا تعنينا، وأن علي أصحابها أن (يبلّوها ويشربوا ميتها)، وأن يستحملوا وزرها أمام الشعب الآن وفي المستقبل. وإنما يعنينا أن نرفض بحزم كل إجراء أو قانون أو ممارسة أو فعل يأتي من تفسير متأسلم لواحد من الألغام المبثوثة بدهاء ساذج في كتابة المواد. سنقف ضدها وندعو الجماهير إلى رفضها. وسوف تستجيب الجماهير لنا، أو بالدقة سنستجيب نحن لهذه الجماهير التي ستجد نفسها في مواجهة أخطاء وجرائم تستند إلى فهم متأسلم لعبارات جرى تلغيم الدستور بها. وهكذا سنظل موحدين ومتأهبين ضد كل فعل متأسلم أو قول أو قانون يفجر الألغام الكثيرة التي تملأ هذه الكتابة الركيكة. وتتعاهد جبهة الإنقاذ على الاستمرار في حماية حقوق الشعب في الديمقراطية والحرية، وحرية الكتابة والتعبير وحرية الإبداع والبحث العلمي وحرية الاعتقاد والعبادة، وستظل جبهة الإنقاذ، ونحن جزء فاعل في صفوفها، تعمل من أجل مساواة كاملة وتكافؤ تام بين المواطنين جميعاً.. النساء تماماً كالرجال رغم أنف ألغام الدستور الإخواني ، والمسيحيون تماماً كالمسلمين أيضاً رغم أنفهم، والفقراء تماماً كالأغنياء بأوامر شعبية حتمية وواجبة النفاذ. والويل كل الويل لمن سيحاول أن يتخطى هذه الحدود الثلاثة.

 فماذا يبقي للمصريين؟ ومتى تحل مشكلاتهم من خبز وعمل ومسكن وصحة وتعليم ووسائل نقل وحرية وديمقراطية ومواطنة؟ متى يا جماعة الإخوان وأنتم لاهون عن ذلك كله، متمسكون فقط بشهوة السلطة والتسلط؟ متى يشعر المواطن بالأمن، بالقدرة على الإحساس بأن ثمة دولة مستقرة تحمي ترابها وتحمي أبناءها؟

 وهناك كذلك تلك المأساة الكبرى.. سيناء.. وأكرر بيت شعر مؤلم بل وشديد الألم.

 سيناء كانت لنا أمانا

 فكيف أضحت لنا هوانا

 ويا د. مرسي كيف سمحت لنفسك بأن تتخذ من المواقف والإجراءات بما يبقي الأنفاق تمرر الإرهابيين والسلاح والأموال والذخيرة لتجعل من منطقة في سيناء قاعدة لإرهابيي القاعدة؟ وكيف سمحت لنفسك بأن تضع جنود مصر تحت وطأة إرهابيين يأتون من الأنفاق ليمارسوا ضدهم القتل والترويع، ثم يهربوا عبر الأنفاق؟ وكيف سمحت للأطماع والمطامع أن تسعى نحو اقتطاع جزء من سيناء لتقام فيه إمارة لحماس فتنتهي سيادة مصر على سيناء، وتنتهي القضية الفلسطينية وإلى الأبد؟ ولماذا تصمت بالتحديد عن هذه التساؤلات الخاصة بسيناء؟

 وبعد..

 يكثر الكلام وتكثر المعارضات والرفض والدعوات للمصريين بأن يحموا أمنهم وأمن وطنهم وخبزهم وخبز أطفالهم، وحريتهم وحرية أقلامهم وصحافتهم وإبداعهم.

 ولا يبقى سوى تحذير صارم حازم سبق أن وجهناه إلى نظام مبارك ولم يرتدع.. فهل ترتدعون أنتم أم تنتظرون ذات المصير عناداً ومعاندة؟ هذا التحذير من ثلاث كلمات:

 احذروا ثورة الجياع.

 د.رفعت السعيد

 (الأهالي)، 25/12/2012

 

 لا ديمقراطية بلا علمانية

 

 قرأت حديثاً لراشد الغنوشي، زعيم حزب (النهضة) التونسي، إثر فوز حزبه في أول انتخابات ديمقراطية تجري في تونس. والحديث منشور في جريدة (الشرق الأوسط) بتاريخ 1/11/،2011 وقد جاءت فيه عبارات صادمة، هي على النحو الآتي: (نحن لا نحتاج للعلمانية من أجل الديمقراطية، فليست العلمانية والديمقراطية قرينتين لا تنفصلان. فهناك دول علمانية ديكتاتورية، مثل الاتحاد السوفيتي. والفاشية كانت علمانية، وبورقيبة (الحبيب) وأتاتورك (كمال) علمانيان ديكتاتوريان).

 والصادم في ذلك الحديث أن الغنوشي يرى أن العلاقة العضوية ليست بين الديمقراطية والعلمانية إنما بين العلمانية والديكتاتورية. وتترتب على هذا الرأي نتيجة حتمية، وهي نفي العلاقة بين العلمانية والديمقراطية.

 نشأت الديمقراطية في أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، إذ قال رجل الدولة (بركليس): (إن نظام أثينا نظام ديمقراطي). وإثر هزيمة أثينا من إسبرطة قال أفلاطون: إن الديمقراطية هي سبب هزيمة أثينا، لأن الديمقراطي متقلب مع الأهواء، إذ ليس في حياته قاعدة، فيتوهم أن خيره في الحرية المسرفة، وعندئذ يقتله هذا الإسراف. ومن بعد أفلاطون توقف استخدام لفظ الديمقراطية لمدة ألفي عام، ثم استؤنف استخدامه في القرن السادس عشر بعد الميلاد.

 والسؤال إذن: ماذا حدث في ذلك القرن؟

حدثت ثورة علمية، قام بها العالم الفلكي البولندي كوبرنيكس، مفادها أن الشمس لا تدور حول الأرض، إنما الأرض هي التي تدور حول الشمس، وبالتالي لم تعد الأرض مركزاً للكون على نحو ما كان يتصور بطليموس، ومن ثم فإن الإنسان لن يكون مركزاً للكون. وعندما لا يكون الإنسان مركزاً للكون فمعنى ذلك أن الإنسان لم يعد في إمكانه توهم اقتناص الحقيقة المطلقة. ويترتب على ذلك أن الإنسان لن يكون في إمكانه إصدار أحكام مطلقة، بل نسبية. ومن هنا جاء تعريفي للعلمانية بأنها (التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق).

 وإذا توهم الإنسان ذات يوم أنه اقتنص الحقيقة المطلقة، فإنه في هذه الحالة يقال عنه إنه (دوجماطيقي). ودوجماطيقي لفظ معَرّب من اللفظ اليوناني (دوجماطيقوس)، والمقطع الأول من هذا اللفظ وهو (دوجما) يعنى (المعتقد المطلق). الدوجماطيقي إذن هو نقيض العلماني.

والسؤال بعد ذلك: مَنْ هو الدوجماطيقي في مجال السياسة؟

إنه الديكتاتور، لأنه هو الذي يتوهم أنه وحده مالك الحقيقة المطلقة، وليس أمام الشعب سوى الإذعان له. الديكتاتور إذن ليس في إمكانه أن يكون علمانياً. ومن هنا فقد أخطأ راشد الغنوشي، رئيس حزب (النهضة)، في القول بأن ثمة علاقة حتمية بين العلمانية والديكتاتورية.

 وإذا كانت الديمقراطية هي حكم الشعب بالشعب، وإذا كان الشعب متطوراً ومتغيراً، فإن تفكيره بالضرورة يكون علمانياً. ومن ثم تكون العلاقة حتمية بين الديمقراطية والعلمانية، وليس بين العلمانية والديكتاتورية. ومن هنا يمكن القول بأنه (لا ديمقراطية بلا علمانية). وأضيف قائلاً: (لا ديمقراطية مع الأصولية الدينية، لأن هذه الأصولية تتوهم امتلاك الحقيقة المطلقة، وتُكفّر مَنْ يكون على نقيض هذا الوهم).

 مراد وهبة

 (المصري اليوم) عن موقع (الأوان)

العدد 1105 - 01/5/2024