الملف النووي الإيراني ومباحثاته الماراثونية

لاتزال تبعات جلسة المفاوضات الأخيرة (غير الناجحة) والتي استمرت سبع ساعات، بين وفدي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران، تلقي بتبعاتها على مباحثات الملف النووي الإيراني، والتي لم يتفق طرفاها على جولة مفاوضات جديدة. إذ حالت الخلافات (الكبيرة) بين الجانبين دون التوصل إلى اتفاق بينهما، أو مجرد التوصل إلى مقاربة جديدة لاتزال قيد التشاور منذ شهور عديدة.

ففي الوقت الذي تصرّ فيه إيران على سلمية برنامجها النووي، وفق آخر مشاورات جرت في شهر آب الماضي (24/8) بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والوفد الإيراني المفاوض، أعلن على أثرها علي أصغر سلطانية، مندوب إيران لدى الوكالة، (أنه أُحرِزَ بعض التقدم، لكن مازالت هناك خلافات جدية.. سنستمر في هذه العملية حتى نتوصل في نهاية المطاف إلى إطار عمل يتفق عليه الطرفان).. فإنه لابد من الإشارة إلى أن هذه المباحثات قد جرت بعد توقف للمفاوضات استمر شهوراً، وتمثل هذه الحالة استمراراً للأوضاع التفاوضية التي جرت في شهر حزيران العام الماضي، الذي أكدت فيه طهران عزمها على التوصل إلى مقاربة جدية لاتزال قيد التشاور بين الطرفين.

وإذ تسعى الوكالة الدولية للطاقة إلى (التوافق) مع إيران حول التمكن من زيارة مواقع الأنشطة النووية الإيرانية (منشأة فورود المحصنة جغرافياً وطبيعياً، وموقع بارشين النووي) والاطلاع على وثائق معينة تريدها، أو إجراء لقاءات مع العلماء الإيرانيين، ما يتيح لها توضيح طبيعة البرنامج النووي الإيراني (المثير للجدل)، تصر إيران على أن برنامجها النووي سلمي، وأنها ملتزمة بقوانين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأنظمتها ولوائحها، في الوقت الذي تساور فيه الدول الغربية والولايات المتحدة وبعض الدول الخليجية (المخاوف والشكوك) من أن تصنع إيران سلاحاً نووياً.

وأكدت آخر جولة مباحثات في تركيا بين كاترين آشتون، الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي، والوفد الإيراني، ضرورة التوصل إلى حلول لنقاط الخلاف بين الجانبين (الدولي) والإيراني،  في الوقت الذي أعلنت فيه طهران عن الشروط التعجيزية الأمريكية – الأوربية حول طبيعة برنامجها الخاضع للمراقبة والتفتيش، وزيارات المراقبين الدوليين، وأن الهدف غير المعلن (غربياً) وأمريكياً يتلخص في فرض الإملاءات على الجانب الإيراني، المرفوضة جملة وتفصيلاً. وطالبت إيران ولاتزال، وفق ما جرى في آخر مباحثاته ثنائية، وأكدتها في لقاءاتها الأخيرة مع الوزيرة الأوربية أشتون، في تركيا قبل أسابيع قليلة، بأن استئناف المفاوضات يتطلب إزالة العقوبات (الدولية) أي الأمريكية والغربية، كذلك الأحادية، وإظهار حسن النوايا، ومن ضمنها إزالة هذه العقوبات المستمرة منذ سنوات، وأن هناك ضرورة لإظهار نوايا صادقة في هذا السياق، وكيفية مواصلة (حلحلة) هذا الملف المصطنع.

مباحثات الملف النووي السلمي الإيراني بين اللجنة السداسية الدولية (الدول الخمس الدائمة العضوية زائد ألمانيا) تارة، وبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية من جهة، وإيران من جهة ثانية، تظهر التزاماً إيرانياً ببرنامج الوكالة وبالمعاهدات الدولية، كما تظهر بخاصة بعد المحادثات (الدولية) – الإيرانية الأخيرة، نهج التفاهم والميل الإيراني إلى التوافق. في الوقت الذي تؤكد فيه الأوضاع القائمة حاجة أوربا و(العالم) إلى استمرار تدفق موارد الطاقة من الدول المصدرة، وبضمنها إيران. وأن مجرد  التفاوض للتفاوض واستمراره في ظل أزمة العقوبات بات غير مقبول من جهة، وأن إمكانات الصمود الإيراني – رغم الحظر والعقوبات (الدولية) والأحادية، أصبحت واضحة للجميع و(للغرب) والولايات المتحدة أولاً.

أما انعكاسات هذا المجرى التفاوضي الإيراني – (الدولي) على العالم، وعلى كيفية حل الإشكاليات التي يعانيها عالمنا، وبخاصة مسارات التفاوض (الدولي) – الأفغاني والملف السوري، كذلك الفلسطيني، فهي أيضاً ماثلة في التجربة التفاوضية الإيرانية – (الدولية). وتزداد وضوحاً بعيد الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة وفوز مرشح الحزب الديمقراطي باراك أوباما لولاية ثانية، والتبعات المفترضة لهذا الفوز وتداعياته أمريكياً ودولياً.

وأما الاستمرار في ممارسة الحظر والضغوط والعقوبات (الدولية) أو الأحادية، فقد بات واضحاً أنه يستند بدرجة كبيرة، إلى طبيعة طرفي المفاوضات، وكذلك إلى صلابة الموقف الإيراني المفاوض حول حقوقه الوطنية المشروعة دولياً ومؤسساتياً، وهذا ما أثبتته إيران في تعاطيها مع ملفها النووي السلمي وتبعاته.

وينظر إلى تطورات الملف النووي الإيراني باهتمام، ويظهر إلى حد كبير، نظرة الأطراف المفاوضة الأخرى في كيفية تعاطيها مع ملفاتها بدءاً من فلسطين ومسارها التفاوضي، كذلك سورية، وربما انتهاء بالملفات الإقليمية والدولية الأخرى.

وبانتظار جولة المفاوضات الجديدة الدولية – الإيرانية (السداسية أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية) الشهر القادم، فإنه بات واضحاً أن مجرى هذا التفاوض قد تحددت طبيعة معالمه ومطالبه واستحقاقاته، وهذا ما يجب أن تدركه الولايات المتحدة والدول (الغربية).. وأن تتعاطى معه بطريقة مختلفة عما انتهجته سابقاً وثبت فشله، وأن النموذج التفاوضي الإيراني (الدولي)، يجب على المجتمع (الدولي) تفهّمه، والعمل بموجبه بهدف الحل وليس التصعيد أو التوتير والوصول إلى حلول متوازنة تحت سقف الشرعية الدولية والمعاهدات ذات الصلة.

أكدت إيران أن لغة الحوار وتطبيق قواعد القانون الدولي على الدول جميعها كفيل بحل الملفات الساخنة جميعها وإعادة الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط، وإبعاد شبح الفوضى والتهديد عن هذه المنطقة الحيوية.

العدد 1104 - 24/4/2024