من الصحافة العربية العدد 562

(الصهيونية) العربية خطر حقيقي

 

لم يعد ممكناً، أو حتى جائزاً، السكوت عن التحالف القائم مع إسرائيل من جانب عدد من الدول العربية التي ترتبط سياساتها بالولايات المتحدة من حيث المناهج والأهداف، وإن يكن بعض هذه الدول لم يُقِمْ حتى الآن علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل.

ما الذي يثير هذه القضية الآن؟ يثيرها خروج هذا التحالف بين (الصهيونية) وهؤلاء العرب من نطاق الكتمان والسرية، وبالتالي الإنكار، إلى نطاق يقترب من العلنية، حتى أصبح بالإمكان إطلاق صفة (الصهيونية) على هذا البعض من الدول العربية. يثيرها امتداد التحالف بين الصهاينة العرب من حدود التحالف مع الولايات المتحدة استراتيجياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً، إلى حدود التحالف مع إسرائيل بصورة شبه علنية من الناحية الاستراتيجية ومن النواحي السياسية.

المرحلة الجديدة من اعتناق دول عربية بعينها هذا النطاق من (الصهيونية) بدأت مع بداية ما أسمي بالربيع العربي. أي أن هذه المرحلة بدأت قبل أكثر قليلاً من سنتين. ولا يحتاج الأمر إلى أدلة ناصعة أكثر من نصوع أدلة المواقف التي تتخذها الولايات المتحدة وتتخذها أوربا، وكذلك دول عربية ذات نفوذ وتأثير كبيرين، وذات مشاركة أكيدة في نشاطات ومناورات حلف الأطلسي إزاء أحداث الربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن، وما قد يستجد. إن أقصى ما تريده الولايات المتحدة الآن بهذه الصفة هو أن تستلم سوريةَ سلطةُ (الإخوان المسلمين) أو ما يماثلها. وقد تصاعد دور (الإخوان) في سورية بدرجة واضحة في الشهور الأخيرة، وقد يُنذِر هذا الصعود بدورة جديدة من العنف الدموي بين تنظيمين تؤيدهما الولايات المتحدة في الصراع الراهن، وهما تنظيم (الإخوان المسلمين) السوري الذي يمارس العمل المسلح صراحة وعلناً، وتنظيم (القاعدة) الذي لا يعترف بانتماء، ويفضل أن يُرى كتنظيم إسلامي واسع الانتشار بأسلحته في العالم الإسلامي ككل.

قد تكون المرحلة التالية من الصراع الدامي في سورية مرحلة صدام مسلح بين تنظيم (الإخوان المسلمين) وتنظيم (القاعدة). وليس من المستبعد في اللحظة الراهنة أن تكون الولايات المتحدة بصدد محاولة جادة ودؤوبة لمنع مثل هذا الصدام من الوقوع، لأن هذا المنع هو الضامن الوحيد لربيع عربي أمريكي النزعة في سورية.

 ويصبح السؤال عندئذ: كيف سيكون وضع الدول العربية (الصهيونية) إذا وقعت هذه التطورات. إن السعودية، التي تؤدي دور القائد لهذا التيار الصهيوني العربي، ستجد نفسها أمام مهمة بالغة الصعوبة، هي مهمة إقناع القادة في مصر وسورية بما اقتنعت به هي من قبل، وهو القبول بوجود إسرائيل ودورها في المنطقة العربية. وليس مستبعداً أبداً أن تكون السعودية في الوقت الحاضر هي التي تتزعم دور إقناع المنطقة العربية ب(الصهيونية) وأهدافها، باعتبارها قوة قائمة لا يمكن تجاهلها كما لا يمكن إسقاطها.

بعد هذا كله وليس قبله لا بد أن نكون واعين لحقيقة أن الوضع العربي في شموله لا يتألف فحسب من دول تملك السلطة وتديرها تنظيمات معينة. إنه يتألف أيضاً، وبالدرجة الأولى، من جماهير شعبية بينها تلاحم في الأهداف القومية السياسية والاستراتيجية على الأقل. وينبغي هنا، في هذا السياق على وجه التحديد، أن نذكر أن الربيع العربي الزائف الذي رعته الولايات المتحدة في الوطن العربي يسير نحو مصير الانهيار بثبات. ومع ذلك فإن ربيعاً عربياً حقيقياً يوشك أن يبدأ. وربما يبدأ من المناطق التي تسيطر عليها الدول (الصهيونية). وربما يبدأ من حيث يبذل (الإخوان المسلمون) كل جهودهم لتحقيق سيطرة كاملة على السلطة. وهو إذا بدأ  بهذه الصفة  من مصر يكون هذا أشبه بإشارة إلى انتشاره في الوطن العربي ككل. ويكون علامة على عهد جديد من القومية العربية والثورية العربية.

إنما يتطلب هذا كله أن نعي المعاني الحقيقية التي ينطوي عليها واقع الوطن العربي الذي وصل إلى حد من الخطر أصبح عدد من حكامه يلجؤون فيه إلى التحالف مع (الصهيونية) خشية فقدان الحكم.

سمير كرم

(السفير)، 21/12/2012

 

كشف الغطاء

 

لم تخطئ قوى المعارضة الديمقراطية حين خاضت المعركة مع حكم الإسلام السياسي على أرضية الثقافة والسياسة، وأزاحت – مؤقتاً – الوضع الاقتصادي الاجتماعي، لأن المعركة على أرض السياسة والثقافة كانت ولاتزال من الخطورة بمكان، لأن مشروع الدولة الحديثة التي تقوم على المؤسسات والفصل بين السلطات أصبح مهدداً بصورة جدية. فالإسلام السياسي في حين يوجه الضربات المنظمة لمؤسسة القضاء ويلحقها بسلطة الحكومة، أو بالأحرى يخضعها لهذه السلطة، فإنما يتطلع إلى ما يسميه المحاكم العرفية التي تفصل في القضايا وفقاً لشرع الله، كما يرونه هم بديلاً عن القانون، وتقيم الحدود فتقطع الأيدي والأرجل والرقاب وترجم الزانية وهلم جرا. وبدلاً من التعليم الإلزامي العام تقيم الكتاتيب ومدارس حفظ القرآن، أو تحول هذه الشبكة الهائلة من المدارس العامة إلى القطاع الخاص حيث يمتلك الإسلاميون مدارسهم ويتطلعون – بنهم – إلى الاستيلاء على المدارس الحكومية حين خصخصة التعليم. وهذه الخصخصة هي مشروع مؤجل مؤقتاً من مشروعات الإسلام السياسي الذي هو أيضاً موضوع لصراع مؤجل مع القوى الديمقراطية.

كذلك يدور الصراع الضاري الآن بين الإعلاميين العاملين في إعلام الدولة وهم يدافعون عن حرية هذا الإعلام وموضوعيته باعتباره مملوكاً للشعب لا للحكومة، وبين الوزير الإخواني الذي يسعى إلى تحويل هذا الإعلام إلى بوق للإسلام السياسي وأفكاره ورؤاه الأحادية الضيقة الأفق التي تختزل العالم في ثنائية الإيمان – الكفر لتغطي على حقيقة الصراع الطبقي المحتدم في البلاد.

يطبق الإسلام السياسي الحاكم هذه الاستراتيجية لهدم الدولة الحديثة في كل المؤسسات والمجالات، مع الإبقاء بل والتشبث بالطابع الرأسمالي الطفيلي التابع للاقتصاد. ولكن جماهير ثورة 25 كانون الثاني بادرت هي نفسها لنقل الصراع تدريجياً إلى أرض العلاقات الاقتصادية – الاجتماعية حين رفعت شعار: لا للغلاء، لا للاستفتاء، وخرجت متظاهرات ممسكات بالحلل الفارغة وبدأن الدق عليها، وقد تعلمن من تجارب بلدان أمريكا اللاتينية أثناء نضالها لإسقاط الديكتاتوريات. وهكذا بدأت مؤخراً عملية كشف الغطاء عن حقيقة السياسات الاقتصادية – الاجتماعية لحكم الإسلام السياسي. وإذا ما انكشف هذا الغطاء كلية فسوف يتبين لنا الحجم الواقعي لقوى الإسلام السياسي، خاصة إذا ما دخل العمال والفلاحون بكل قوتهم إلى الميدان. حتى إن القول بثورة جياع قادمة ليس من قبيل المبالغة. وهذه جميعاً عوامل سياسية وثقافية متداخلة تنعكس يومياً على الواقع الاقتصادي – الاجتماعي، وتؤجج الصراع الطبقي. وهي جميعاً عوامل فاعلة وتغييرية متحركة لا يخضع فيها الأمر الممكن إلى الأمر الواقع. لأن قوة الغضب الجماهيري واتساع قاعدة العمال والفلاحين والفئات الوسطى تدق بقوة على أبواب ممكنات شتى، وتطيح بالمعنى المستقر في الأفكار البليدة الذي يقول: إن السياسة هي فن الممكن وحسب، يقول لهم الواقع الفعلي: إن الثورة تفتح آفاق الممكنات، وهي في حالة حركة دائبة.

ولا ننسى في هذا الصدد أن الغطاء الذي انكشف قد بين إلى أي حد لم تعد قطاعات واسعة من الجماهير البسيطة تنخدع بالخطاب الديني الأصولي. بل وترى أن تدينها – أي تدين الجماهير – هو الأصح والأقوى. وهذه إضافة أخرى لرصيد الثورة المستمرة.

فريدة النقاش

(الأهالي)، 18/12/2012

العدد 1104 - 24/4/2024