الحب والحرمان في النزاعات

لعلّ فيلم (حجر الصبر) استطاع أن يحكي مشاعر الكثير من النساء اللواتي وقعن في براثن الحروب الطويلة الأمد، وخاصة في الحروب التي تأخذ مظهراً ذكورياً بمعنى الاقتتال بين القبائل والعشائر، أو الجهاد وحروب العصابات. فيتخذ الرجال مظهراً أكثر قسوة ويبتعدون عن ملامسة الحب بمعانيه الحقيقية، فيبدو ذلك الحب جسداً دون روح، والمرأة أكثر من يعاني في هذه الظروف. فإضافة إلى المعاناة العامة نتيجة القتل والدمار الذي يلحق بمجتمعها وأسرتها، تتلظى بشكل خاص بنار العنف الجسدي والجنسي والنفسي، فعليها أن تتحمّل أيضاً قسوة الرجال المقاتلين.

وهذا ما حاكاه المخرج والكاتب الأفغاني عتيق رحيمي من خلال فلمه (حجر الصبر) عندما صوّر واقع المرأة في بلده الذي يشهد نزاعات دامية منذ عقود، فبطلة فيلمه امرأة عاشت مع زوجها المقاتل سنوات من الغربة في غيابه وحضوره، لتشعر بأنها تحوّلت إلى قطعة أثاث في المنزل ليس لها روح ولا قلب، وفوق هذا تتحمّل وحدها مسؤوليات الأسرة كلها، واليوم بعد إصابته يدخل في غيبوبة تستغلّها لتحكي له كلّ ما كانت تعانيه بغيابه، وعن إهماله لها في بلد تسيطر عليه النزاعات، ويعدّ المرأة في المجتمع شيئاً لا وجود له ولاصوت ولا حياة، في عالم مشحون بالحرمان الجنسي والعاطفي .

ويعرض الفيلم -كما يقول النقاد- نزوع المرأة الطبيعي نحو الحب والحرية، وجرأتها في قول رغباتها في لحظة حاسمة ما من تاريخها الشخصي، لحظة غياب الزوج واستمرار غيابه، وكل ذلك من خلال عملية البوح التي يرتكز الفيلم على فكرتها والتي تقود حتماً إلى استفزاز الزوج محاولةً إعادته إلى الحياة، وفي الوقت نفسه فهي تنتقم بكلامها من تاريخه معها وتريد لقسوتها أن توقظه لينتبه إلى وجودها أيضاً.

وهكذا تتوالى الأحداث لتتحوّل هذه السيدة إلى رمز للمرأة المهملة التي تتمرد على ظروفها وتسيطر على وضعها. هي إذن حكاية الحرب والنزاعات وضحايا تلك الحروب، وعلى وجهٍ أخص النساء اللواتي لهنّ النصيب الأكبر من هذه النزاعات، فالعنف عليهن مضاعف، العنف الطبيعي من المجتمع الواقع عليها لأنها أنثى، والعنف القادم مع الاقتتال الذي يصيب كل أفراد المجتمع.

فهل تلتفت الحكومات إلى ما يجب عليها أن تقوم به في حماية النساء زمن النزاعات؟ وخاصّةً الدول التي التزمت وفق معاهدات دولية بحماية النساء في النزاعات المسلحة؟ أم أنّها ستغض الطرف عن الانتهاكات التي تطول المرأة  لينتج مجتمع أكثر ظلماً وقسوةً وتخلفاً.؟!

العدد 1105 - 01/5/2024