البطالة أيضاً من صنع يدنا

 

 

دوماً أفكّر مباغِتةً نفسي بجملةٍ غالباً ما أسمعُها (الفقرُ لا يتعدّى على أحدٍ)، لكنّي دوماً أسمعُ الناسَ يقولون: إنَّ هناكَ تقصيراً من الدّولةِ تجاهَ مواطنيها، فإنَّ نسبةَ البطالة كبيرةٌ ومتزايدةٌ.. بغض النظر عن الحقائق.. إلا أني أعترفُ أنه يجبُ أن يكونَ للدولةِ دورٌ في تحمّلٌ المسؤوليةِ تجاهَ مواطنيها في كثيرٍ منَ الأحيانِ؛ لكنّيَ أستغربُ الشّابَ الّذي لم يُنهِ بعدُ دراسَتهُ، ويأبى أن يعملَ في محلٍّ أو مطعمٍ أو مزرعةٍ. وأستاءُ حينَ أعلمُ أنَّ للشابِ باب رزقٍ خاصٍّ به. وبدلاً من أن يعمل بنفسه نراه يطلب عمّالاً من مكانٍ آخرٍ، ويجلس شاكياً البطالة..

 إنَّ الحياةَ عبارة عن خبرةٍ وتجربةٍ ومُعاركةٍ مع ظروفِها، والعملُ هوَ كذلكَ، فأيُّ شركةٍ أو مكتبٍ لا يقبل أيَّ موظفٍ بدونِ خبرةٍ، فمِن أينَ يأتيَ بالخبرةِ؟ وما هيَ ماهيّةُ هذهِ الخبرةِ؟ أعتقدُ أنَّ الخبرةَ تأتيَ من أيِّ مكانٍ نعملُ فيهِ، لأنّ الخبرات تراكمية: من تحمُّلِ مشقّةِ العملِ، وخبرةِ التّعاملِ معَ النّاسِ مع خبرةٍ بالناسِ، والتّقيدِ بأوقاتِ عملٍ معيّنةٍ، ومعرفةِ إيجادِ حلولٍ سريعةٍ لأيِّ مشكلةٍ تواجهُ الشّخص.

 إنَّ للعملِ بأيِّ مكانٍ فوائدَهُ المعتبرةَ مهما كانت طبيعةُ العملِ. أستغربُ شباباً يخجلونَ من العملَ في المقاهي، ماذا لو رآهم أحدٌ من المقربين، وشباب لا يعملُ في أرضهِ بسببِ صعوبةِ ومشقةِ العملِ فيها.. لا يرضى الشبابُ تلكَ الأعمالِ بسببِ طولِ الدّوامِ وقلّةِ المردودِ ونظرةِ الناسِ، وكأنّ أولئكَ الشُّبانِ العاطلينَ عنِ العملِ ليسَ لديهمُ الوقتَ الطويلَ، وكأنَّ الناسَ سينظرون حسناً للشابِ الجّالسِ في المنزلِ ويأخذُ مصروفَهُ من أهلهِ… لديَّ تساؤلٌ صغيرٌ: لماذا يرتضي الشّابُ لنفسهِ أيَّ نوعٍ منَ العملِ خارجَ بلادهِ؟ هل للغربةِ رؤىً مختلفة؟!

برأيي لأيِّ شابٍ طموحٍ بداية، ولكلِّ بدايةٍ تعبٌ ومشقةٌّ وتصميمٌ وطموحٌ وذكاءٌ وتواضع…، ثم يصل إلى مبتغاه… العملُ هوَ تأسيسٌ وليسَ نهاية، لنعمل ونتعب على التأسيسِ ولنصنع لأنفسنا طريقاً يناسبنا.

العدد 1105 - 01/5/2024