الشباب الفلسطيني والأزمة السورية

تشير الأرقام والإحصاءات الرسمية إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في سورية يفوق خمسمئة ألف لاجئ يتوزعون على مخيمات عديدة تنتشر في مختلف المحافظات.

وأعلنت مختلف القوى الوطنية الفلسطينية منذ بداية الأزمة موقفها بضرورة تحييد المخيمات الفلسطينية والتنظيمات الموجودة في سورية من الصراع الدائر بين السلطة في سورية ومعارضيها وعدم زجّهم فيه. لكن مع ذلك يمكن في الواقع تسجيل العديد من الحوادث المؤسفة خلال الأزمة السورية الحالية التي راح ضحيتها العشرات من الإخوة الفلسطينيين المقيمين في سورية، سواء وقعت داخل بعض المخيمات أم خارجها، وهذا ما دفع موضوع الموقف الفلسطيني إلى الواجهة.

كان من بين أبرز تلك الحوادث سقوط عدد من الأشخاص بين قتيل وجريح عندما فتح مسلحون النار في أيار من العام الماضي في مخيم اليرموك بدمشق على مشيعي الشهداء الذين كانوا قد سقطوا برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال مسيرة العودة الثانية عند الشريط الشائك الذي يفصل الجولان المحتل عن الوطن الأم سورية.إضافة إلى استهداف العديد من المنتسبين إلى جيش التحرير الفلسطيني، كما في حادثة قيام مجموعة مسلحة بارتكاب مجزرة بحق ستة عشر مجنداً من جيش التحرير الفلسطيني كانوا في طريقهم لقضاء إجازاتهم في تموز الماضي. ثم الحدث الأبرز عندما سقطت عدة قذائف على بعض المخيمات المكتظة بالسكان ووقوع خسائر بشرية كبيرة فيها، وتبادلت الجهات الحكومية والجماعات المسلحة الاتهام بالمسؤولية عن ذلك الفعل نظراً لوقوع اشتباكات بينهما في المناطق المتاخمة له، خصوصاً أن كلا الطرفين يتهم الآخر بمحاولة جر الفلسطينيين للوقوف إلى جانبه.

كل ذلك يضع مسألة حياد الفلسطينيين أو تحييدهم موضع الاختبار الحقيقي. خاصة أن الشباب الفلسطيني كنظيره السوري منقسم في طريقة النظر إلى الأحداث الجارية والموقف منها.كما يجب الأخذ بالحسبان مسألة التداخل الحاصل بين المخيمات الفلسطينية والمناطق المحيطة بها، فهي تكاد تصبح امتداداً للمدن أو حتّى جزءاً من أحيائها السكنية، وهذا يعني ازدياد اندماج الفلسطينيين بالمجتمع السوري نظرًا لهذا الاختلاط، والذي فتح المجال أمام علاقات العمل والزواج.

أدى تسلل عدد من المسلحين إلى الأحياء والمناطق المحيطة بالمخيمات إلى حدوث اشتباكات مسلحة، مما أدى إلى لجوء أعداد كبيرة من السوريين إلى داخل المخيمات باعتبارها مناطق بعيدة عن العنف. وبالفعل كان موقف الأهالي مميزاً في احتضان إخوتهم من العائلات السورية المتضررة من أعمال العنف، والتفاعل الكبير بين الشباب الفلسطينيين المشارك في أعمال الإغاثة وبين الأسر النازحة من المناطق الساخنة بما لذلك من تأثير في الموقف من الأزمة.

وفي ظل الضخ الإعلامي والاستقطاب الحاد على ساحات الإعلام بمختلف أشكاله، أو على أرض الواقع الذي تشهده سورية بين أطراف الصراع القائم يجد عدداً كبيراً من أهالي المخيمات الفلسطينية في سورية – والشباب منهم بشكل خاص – يجدون أنفسهم في حيرة من أمرهم. فهم يدركون ويعيشون حقيقة أنّ للفلسطيني المقيم هنا حقوقاً لا تقل عن الحقوق التي يتمتع بها المواطن السوري في جميع مناحي الحياة، كالتعليم والرعاية الصحية وسوق العمل.بطبيعة الحال تستثنى من ذلك الحقوق السياسية، فهي تخص المواطنين السوريين فقط.لكن ذلك لم يمنع تعرض أعداد منهم للمضايقة في فترات سابقة بسبب الخلافات التي كانت قائمة بين القيادة السورية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومن بعدها السلطة الفلسطينية الناشئة عن اتفاق أوسلو على خلفية التباين في الكيفية والطريقة التي ينظر بها كل منهما إلى إدارة الصراع العربي الإسرائيلي.

لكنهم في الوقت نفسه يدفعون ثمن دائرة العنف المتسعة باطراد وأخطاء المشاركين فيها سواء من السلطة أو المعارضة، بغض النظر عن توصيف الطرفين لما يجري على الأرض. وكان امتداد العنف إلى عدد من المخيمات سبباً لخلط الأوراق وانضمام أعداد من الشبان إلى هذا الطرف أو ذاك بشكل أو بآخر.

رغم كل ذلك لا يجوز أن تضيع البوصلة عن القضية المركزية، والأساسية وهي استعادة الأراضي المحتلة وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين. وهذا يتطلب التحلي بمسؤولية عالية من جميع الأطراف، سوريين وفلسطينيين، بغية تجنيب اللاجئين دفع أثمان معارك لا تخدم قضيتهم. وهذا يتم بسلوك ملموس على أرض الواقع وليس بالخطب والشعارات. لا ينقص الفلسطيني مآسٍ إضافية، فلديه ما يكفي وجرحه ما زال ينزف منذ نكبته الأولى عام 48 فهل من مجيب؟

العدد 1105 - 01/5/2024