تداعيات الأزمة وتأثيراتها على سوق العمل

أثّرت الأزمة وتداعياتها على مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني، في العامة والخاصة والمصانع التكميلية والورشات الصغيرة، وأدت إلى انخفاض حاد في الصناعات التحويلية التي تشمل التجارة والصناعة والزراعة والسياحة، وبالتالي أثرت في الأفراد واليد العاملة. فقد أدت إلى توقف أكثر من 25% من المصانع الرئيسية النسيجية والغذائية والمعدنية والأسمنتية والمشروبات، وذلك نتيجة للحصار الاقتصادي الذي فرضه التحالف الدولي على سورية من جهة، وحالة الانفلات الأمني من جهة ثانية، والانخفاض الحاد في إنتاج الطاقة الكهربائية من جهة ثالثة، مما أثر سلباً على باقي القطاعات الإنتاجية.

انعكست هذه الأزمة على المواطنين، واكتوى بنارها بالدرجة الأولى ذوو الدخل المحدود والمنخفض الذين يشكلون غالبية الشعب السوري، الأمر الذي تجلى في ارتفاع معدلات البطالة والفقر. ففي عام 2010 ارتفعت نسبة البطالة من 6,3% إلى 8,6 %، لتصل إلى 14,9 % في عام،2011 وذلك حسب المكتب المركزي للإحصاء. أما حسب توقعات خبراء الاقتصاد فتجاوزت 20%، الأمر الذي يشير إلى زيادة معدلات الفقر، الذي يتناسب طرداً مع ارتفاع نسبة البطالة.

ففي خضم الأزمة اختارت بعض الشركات والمصانع تسريح عمالها سبيلاً لتخفيض نفقاتها، ولجأ بعضها إلى إيقاف النشاط كاملاً والإغلاق، فقدرة الشركات على تحمل الخسائر تتعلق بحجم اعتمادها على الإيرادات،.. وأمست شكوى المواطنين واستياؤهم واقعاً يومياً..

كما أن للأزمة تأثيرها المباشر على أصحاب الأعمال الخاصة الذين اضطروا إما لنقل أعمالهم أو تحجيمها، إضافة إلى الخسائر المادية والمعنوية. وهذا ما توصلنا إليه من خلال عدد من اللقاءات مع بعض أصحاب المهن العلمية والمهن الحرة.

يقول لنا د. طوني (طبيب أسنان): أنشأت عيادة خاصة في حمص -كرم الزيتون، وقمت بمجهود كبير لتأسيس اسم وشهرة لي والتي هي حصيلة تعب وجهد 7 سنوات، إلى أن بدأت الأزمة وبدأ العمل يضعف تدريجياً، ففي بادئ الأمر كان الوقوف عن العمل يكون في يوم الجمعة فقط لوجود المخاطر من إطلاق الرصاص ومظاهرات وماشابه. ثم أخذ الأمر يتزايد حتى أصبح الخطر دائماً، ففي أحيان كثيرة كنت أغلق العيادة وأذهب للمنزل تحت خطر إطلاق الرصاص العشوائي. ولحسن الحظ كنت موظفاً في مستوصف بإحدى البلدات، وهي بلدة آمنة نوعاً ما، فنقلت العيادة إلى هناك لتوافر بعض المعطيات، ولأن لي فيها زبناً، فلم أتعب كثيراً بالحصول على اسم، إضافة أن تلك البلدة معيشياً أفضل من الحي الذي كنت أعمل فيه، ومكان العمل قريب ومناسب مع مكان وظيفتي في المستوصف. ومع هذا فقد أثرت الأزمة سلباً علي بسبب خسارتي المرضى الأساسيين، وبعض المرضى الأجانب الذين كانوا يأتون إلى منطقتنا، على اعتبارها أنها الأرخص عالمياً. إذ إن سورية تشتهر بسياحة طب الأسنان المعروف بتميزه ورخصه، إضافة إلى عدم توفر كادر خاص قريب لصيانة الأجهزة. وليس هناك إمكانية لقدوم صيانة من المدينة بسبب صعوبة التنقل حالياً بالطرقات، ماأدى أحياناً إلى عدم إصلاحها بالوقت المناسب، وقد أثر ذلك على العمل، يضاف إلى ذلك صعوبة توصيل المواد في الوقت المناسب مع زيادة في أسعارها وأسعار إيجار النقل وبقاء كلفة تصليح الأسنان كما هي، وهذا يعني (عدم تناسب بين سعر الخدمة وسعر التكلفة). أما عن التأثير النفسي فحدّث ولا حرج….

أما السيد نبيل، صاحب محل كهربائيات في حمص ـ باب السباع فيقول: تعرضت المنطقة للخطر، فبدأت بتصفية البضائع وبيعها تدريجياً. ثم تعرض المحل للضرب والتخريب، فقررت الانتقال إلى القرية نهائياً، فنقلت مابقي من بضائع بمساعدة الجيش، وقمت باستئجار منزل ومحل في القرية لإعادة بدء العمل، فوضعت ما تبقى من بضائع من محلي السابق، واشتريت كهربائيات جديدة، وهنا بدأت أواجه مصاعب أخرى: عدم قدرة الشركات على توصيل البضائع إلى القرية، مما دفعني للذهاب إلى مدينة أخرى لجلب ما أريد مع زيادة في أجور المواصلات. واضطررت أحياناً للتعامل مع تجار من مناطق مجاورة لتخفيف ضغط المصروف، مما حملني ضرراً من نوع آخر، وهو (انخفاض الربح). كنت سابقاً أتعامل مع الشركات بالدفع بالتقسيط، أما الآن فأصبح الدفع فورياً، وإن وُجدت خسائر فأنا من سيتحملها (كأي مشكلة تواجهنا عند نقل البضائع، أو عدم بيعها). الربح قليل وغير مباشر فهو عبارة عن نسبة على المبيع. ومن جهة أخرى خسرت عدداً من الزبن، يضاف إلى ذلك أن الكثير من زبني في حمص لم يسددوا لي ديونهم، والأحداث جعلتني لا أعلم شيئاً عن مصيرهم… وخسائري شخصياً كانت ضخمة جداً، فقد اضطررت لتسديد ما عليَّ للشركات من تعويض وظيفتي السابقة، وبذلك خسرت حاصل عملي السابق وما جمعته من عملي الخاص في حمص، وبذلك عدت إلى الصفر.

وحال السيد حسام (مزيّن نسائي-كوافير) ليس أفضل من غيره فقد كان يملك محلاً في حمص /بستان الديوان/ منذ 10 سنوات وله اسم وشهرة. ومنذ بداية الأحداث بات اعتماده محصوراً على سكان المنطقة، ثم أغلق المحل عندما اشتدت الأزمة. وقال: تسبب إغلاقي للمحل فقدان أربعة من مساعدين لي عملهم وقُطع رزقهم. أما أنا فقد قمت بفتح محل في القرية،.وحتى هذه اللحظة لا أعرف أي شيء عن محلي السابق وعن الأغراض الموجودة داخله. واجهت صعوبة في بادئ الأمر في المكان الجديد، فقد قمت باستئجار محل وهذا بالنسبة لي أمر صعب (من صاحب ملك إلى إيجار)، فقد عدت إلى نقطة الصفر. وبالنسبة للزبن فقد خسرت زبن 10 سنوات. وهناك فرق كبير بين عدد الزبن في المدينة والريف. إضافة إلى وجود عدد كبير من الحلاقين في القرية مما أدى لوجود منافسة ورخص بالأسعار لإرضاء الزبن بشكل لايتناسب مع مجهود العمل. يضاف إلى ذلك عدم الاستقرار الذي يولّد عدم تحسين آليات العمل ومتطلباته لعدم العلم بالعودة أو البقاء.. إضافة إلى صعوبة تأمين وصول أدوات ومستلزمات العمل بسبب خطورة الطرقات، مما يضطرني للاعتماد على نفسي في تأمين هذه الحاجات. وقد أدى ذلك إلى زيادة الكلفة بسبب المواصلات… مع العلم أن أجرة يدي لم تزد.. مع أن هناك ميزة واحدة فقط، وهي أنه عندما كان التنقل سهلاً، كان معظم الناس يعتمدون على الاسم والشهرة الأكبر، مما يجعلهم يذهبون إلى المدينة، أما حالياً وبسبب صعوبة التنقل فقد بات اعتماد الناس على المحلي وخاصة في المناسبات (الأعراس والحفلات) مما ساهم في نجاح العمل واستقرار توقعات حجمه نوعاً ما.

وهكذا نلحظ تدهور أوضاع الناس وأحوالهم… ويبقى المستفيدون الآن هم أصحاب أعمال البناء الذين تحسّن عملهم كثيراً، وذلك لكثرة المخالفات وزيادتها في كل مكان دون حسيب أو رقيب، وبالتالي وجدنا شركات البناء ومستلزماته قد أخذت نصيبها اللاشرعي من الأزمة… ومصائب قوم عند قوم فوائد.

العدد 1105 - 01/5/2024