من الصحافة العربية العدد 567

عامان على بدء (الربيع العربي)

 

في السياسة، لا تقاس الأفكار والسياسات بأسبابها بل بنتائجها.. إذا أردنا أن نحكم من خلال هذه المسطرة على ما سمي (الربيع العربي)، فمن الممكن القول أنّ إيجابياته محصورة في إطلاقه لديناميات بدء مرحلة تدل ملامحها على أنّ أيّ حاكم، سواء كان فرداً أو حزباً أو جماعة أو طغمة عسكرية، سيجد أمامه سداً اجتماعياً يمنعه من الاستئثار والانفراد بالسلطة، وأنّ هناك طريقاً إجبارياً أمام كلّ حاكم هو صندوق الاقتراع. هذا تقدم نوعي يصل إلى مستوى الانقلاب الجذري على ما شهدته الأنظمة الجمهورية العربية في الستين عاماً السابقة، إذ كان الشارع يعطي تفويضه بهذا الشكل أو ذاك إلى (القائد الفرد) أو إلى (الحزب القائد).

لا توجد إيجابيات أخرى، بل على العكس كانت ديناميات (الربيع العربي)مؤدية إلى فقدان استقلال بلد عربي هو ليبيا، وإلى إخضاعه، بخلاف ما جرى عام ،1912 لسيطرة الغازي الأجنبي عبر رضا قسم كبير من المواطنين الليبيين، رأوا أنّه لا يوجد ديناميات داخلية كافية لإسقاط الديكتاتور فاستعانوا، عن إرادة، بالخارج، وأصعدوا نماذج سياسية وثقافية للواجهة المعارضة ترى في قرضاي الجلبي مثالاً مرغوباً يحتذى.

في سورية يوجد الكثير من المعارضين السوريين، مع أرضية اجتماعية، يحلمون بتكرار الأمثلة الأفغانية والعراقية والليبية، وقد بذلوا الكثير من الجهد والسياسات من أجل تحقيق ذلك، ولكن تعقيدات المسألة السورية، والتشابك الأمريكي  الروسي، كانا سدّاً منيعاً أمام تكرار تلك الأمثلة. هذا يعطي صورة عن تراجع الوطنية، وعن تدهور في العملية السياسية، إذ تقوم اللعبة على مبدأ عدم إدخال الخارج في لعبة أطرافُها محليون. الأمر الذي نراه سائداً في كل البلدان الراقية. وحتى الآن يشعر الفرنسيون بخجل عميق من ظاهرة الماريشال بيتان، لكنهم لا يمانعون التعامل مع ظاهرات مثل مصطفى عبد الجليل أو رئيس مالي الذي استجدى التدخل الفرنسي.

في الطبيعة تظهر الزلازل نوعية التربة تحت السطح.. في المجتمعات الأمر كذلك. ما أظهره زلزال (الربيع العربي) يعطي صورة عن تراجع مستوى السياسة في البلدان الجمهورية الخمسة بالقياس إلى مستوى النخب السياسية، التي كانت فيها جميعاً في الربعين الثاني والثالث من القرن العشرين، وعن طغيان الوعي الديني في تحديد الانتماء الأيديولوجي  السياسي على حساب التعبيرات السياسية الحديثة التي كانت سائدة في الربع الثالث من القرن العشرين. وهو شيء نجده أيضاً لدى المواطن العادي في تحديد هويته، بناءً على الانتماء الديني أو الطائفي على حساب هويته الوطنية، ثمّ ظاهرة رأيناها وهي السهولة الكبرى، مع رضا وقناعات أيديولوجية  سياسية، التي يقتل بها المواطنون بعضهم بعضاً أثناء تواجه خنادقهم المختلفة والمتصارعة بين ضفتي السلطة والمعارضة، والتي يتساوى فيها الاثنان في تلك القناعات والرضا.

أعطى زلزال (الربيع العربي) هذا التظهير لنوعية التربة الاجتماعية من دون (مكياجات). هذا تطوّر تاريخي يظهر مستوى أمراض المجتمعات وعللها، وهو أيضاً يعطي صورة عن حصيلة مرحلة التحولات التي بدأت في الخمسينيات والستينيات في البلدان العربية الخمسة المذكورة. من دون هذا التظهير الزلزالي ما كان من الممكن تلمّس هذه الحصيلة بشكل ملموس بارز للعيان.

قد يكون هذا التزلزل نقطة انطلاق لتقدم، وقد يكون طريقاً للتفكك المجتمعي في آلية لا أحد داخلياً يستطيع التحكم بها، وهو ما رأيناه في الحالة الأولى في فرنسا ،1789 فيما كان الاتحاد السوفييتي 1989-،1991 ويوغسلافيا 1989-1992 أمثلة عن الحالة الثانية، وربما أيضاً عراق ما بعد 9 نيسان2003. هل يكفي ما سبق لرفع الأقواس عن (الربيع العربي)؟

محمد سيد رصاص

(الأخبار)، الخميس 7 /2/2013

 

مصر عبد الناصر.. أم مصر (الإخوان)؟

 

ارتبطت القضية الفلسطينية منذ بدايتها ارتباطاً عضوياً بأنها قضية العرب المركزية والمصيرية. ولقد كانت المشاعر والعلاقات الفلسطينية مع كل من سورية ومصر ذات طابع خاص – إضافة إلى الارتباط الذي تم بعد النكبة بالأردن.

نظر الفلسطينيون دوماً إلى مصر أنها حاضنة لهم، وشكلت فترة عبد الناصر نقطة جوهرية إيجابية في العلاقات المصرية الفلسطينية، ولم تؤثر نكسة أو هزيمة حزيران في المشاعر الفلسطينية المتأججة حباً حيال مصر. الصدمة الفلسطينية كانت كبيرة في أثر توقيع أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد مع العدو الصهيوني برعاية أمريكية. انتظر الفلسطينيون طويلاً أن يحدث ما يلغي هذه الاتفاقية نهائياً، أي أن تعود مصر إلى دورها القومي الحيوي قاعدة نضالية عربية.. وفي الوقت عينه مركز استقطاب للقوى القومية بالتوجه نحو فلسطين واستعادة ألقها بوصفها قضية قومية مصيرية للأمة العربية.

من هنا كانت النظرة الفلسطينية لحدث الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) من عام 2011 تفاؤلية تماماً، خاصة أنه حز في النفس الفلسطينية أيضاً تزويد مصر الكيان الصهيوني بالغاز وبأسعار هي في الحقيقة عُشْر أسعار الغاز الحقيقية.

كان الحدث المصري منطلقاً لآمال فلسطينية تركزت على ما يأتي:

أولاً: استعادة العرب لمصر، وعودة مصر إليهم وإلى لعب دورها القيادي في الساحة العربية بعد أن بهت دور مصر أو ضمر في حقبة حسني مبارك.

ثانياً: أن تعيد مصر الجديدة إلى القضية الفلسطينية جوهرها القومي، بعد أن باتت، حتى في الإعلام العربي،  مسألة فلسطينية  إسرائيلية (أي أنها أضحت نزاعاً، أو في أفضل الأحوال صراعاً بين الفلسطينيين والمحتلين الصهاينة).

ثالثاً: أن تسهم مصر الخامس والعشرون من كانون الثاني بعودة الوحدة الوطنية الفلسطينية على أسس ثابتة ومتجددة من ضرورة الاتفاق الفلسطيني على جوهر القضية والحل بالكفاح المسلح (أي المقاومة)،  كحق كفلته المواثيق الدولية للشعوب التي تتعرض أوطانها للاحتلال.

رابعاً: أن تشكل عودة مصر القوية رافعة جدية لعمل عربي مشترك يسهم في دعم فعلي للنضال الوطني الفلسطيني، وأن تعتبر الأقطار العربية فلسطين قضيتها الوطنية، لأن الخطر الصهيوني ليس مقتصراً على فلسطين وحدها، بل هو تهديد للأمن القومي للعرب كلهم، من كان منهم بعيداً جغرافياً عن فلسطين، ومن كان منهم لصيقاً أو قريباً من فلسطين.

خامساً: داعب الفلسطينيين أملُ إنهاء اتفاقية كامب دافيد وإنهاء منح الصهاينة الغاز العربي ليديم الاقتصاد الإسرائيلي.

إلى ذلك تصوّر الفلسطينيون أن أسباب حنينهم إلى فترة عبد الناصر ستزدهر من جديد بما تحمله من عناوين وآمال عربية عريضة.

في الصراع الجاري حالياً في الساحة المصرية يقف التيار القومي والتقدمي الفلسطيني إلى جانب الحركة المعارضة المصرية (جبهة الإنقاذ) وسواها من القوى المعارضة لسياسات (الإخوان المسلمين) التي تتهم الإخوان بالتنسيق مع الولايات المتحدة والغرب عموماً، وهي ماضية في تصفية الوجود الليبرالي والقومي المصري في السلطة والإعلام والثقافة وسواها من مراكز قوة التأثير الجماهيري.

إذا كانت الغالبية العظمى من الفلسطينيين تميل إلى جانب التيار الناصري في مصر، فليس معنى ذلك أنها مع التيارات الليبرالية الأخرى، كما أنها ليست إلى جانب (الفلول)، لأن الشعب الفلسطيني يرى أن مصر مبارك، ومن قبله مصر السادات، قد عرقلت مسيرته النضالية وانحازت إلى التحالف الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي.

نواف أبو الهيجاء

(السفير)، 7/2/2013

العدد 1104 - 24/4/2024