الإعلام المحايد ودور الفكر الشاب

ما نشهده اليوم من تطورات كبيرة في التكنولوجيا ووفرة المعلومات هيأ المناخ لظهور وسائل اتصال جديدة قادرة على التعبير عن روح العصر الذي شهد عولمة كل شيء، بخاصة الإعلام، إذ يقول مارشال ماكلوهان: (لا يمكن النظر إلى (مضمون) وسائل الإعلام نظرة مستقلة عن تكنولوجية الوسائل الإعلامية نفسها،فالكيفية التي تعرض بها المؤسسات الإعلامية الموضوعات،والجمهور الذي توجه له رسالتها، يؤثران على ما تقوله تلك الوسائل). وفي ظل المجتمع الجديد المحاط بالعولمة تولد تساؤلات جديدة: ما هي المكانة المخصصة للإنسان في هذا الخضم؟وهل سنكتفي بأن نظل مجرد زبن تابعين أم فاعلين في عالم الإعلام؟ بمعنى أنه يجب علينا ألا نظل مجرد مستهلكين سلبيين، بل علينا أن نفرض وجودنا كشركاء ومساهمين في مجتمع الإعلام،فقد فتحت التكنولوجيا آفاقاً واسعة للاتصال الجماهيري وتفاعله مع الحدث وإضفاء اليقين عليه، بحيث يمكن خلق إعلام جديد متجرد.

 ينادي الإعلام  بأن يكون له دور المرشد للممارسة الديمقراطية من خلال كل منابره، ولكن هل تمارس في الوقت الراهن؟ فهو الذي يشجع الفرد على إبداء رأيه والدفاع عن حقه، ولكن هل يعرض هذا؟ وهو الذي يضع الممارسات الديكتاتورية في خانة الاتهام ويحكم عليها بأنها ممارسات خاطئة. إذاَ فما تفسير هذه الدكتاتورية والهيمنة الفكرية المنتشرة في عالم الإعلام اليوم؟ وأين الإعلام المحايد المطلوب من جميع وسائل الإعلام؟!

هذا هو محور الجدل، (الإعلام المحايد)، فهل شكلت صناعة الإعلام عبر التكنولوجيا نقمة أم نعمة، وخاصة في مجتمعاتنا العربية؟ إذ أصبح الخبر يعلن من قبل جهات متعددة تابعة لأيديولوجيات مختلفة،كل منها يعمل في صناعته على التأثير بمشاعر الإنسان، وساعدته التكنولوجيا على ذلك، وبالتالي شد – المتفرج، الزبون، الإنسان – وخاصة غير القادر على تحليل مجريات الأمور أو كشف هذه الصناعة إلى الطرف الذي شاهده، إضافة إلى أن المتفرج أو المتابع غير قادر على متابعة كل الأطراف بسبب كم الطرح الإعلامي الهائل.

وقد شهدنا ونشهد في الوضع الراهن، الإعلام الموجه بكل السبل لخدمة المصالح والأيديولوجيات إلى حد يصل إلى صياغة تفكير المتابع له، كما يشاء هذا الإعلام البعيد جداً عن الواقع والحدث على الأرض.

ويقول ماكلوهان (إن وسائل الإعلام التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها ستحدد طبيعة المجتمع، وكيف يعالج مشاكله، وأي وسيلة جديدة أو امتداد للإنسان، يشكل ظروفاً جديدة محيطة تسيطر على ما يفعله الأفراد الذين يعيشون في ظل الظروف، وتؤثر على الطريقة التي يفكرون ويعملون وفقاً لها)، وإذا قورن هذا القول مع ما يمارس في مجتمعاتنا يظهر لنا التراجع والهيمنة التي تمارس. ولكن هناك محاولات جادة تسعى إلى هدم تمثال الإعلام التقليدي الكلاسيكي. وبوجود فكر شاب- لأن الشباب هو الذي يتعامل مع وسائل الاتصال والتكنولوجيا- وبالاستمرار بالمحاولة يقوم الفكر الشاب بالتمرد والمشاركة في صنع الإعلام بشكل فاعل يطور المجتمع ويتطور به، بحيث يكون للإنسان الدور الأكبر بنقل الخبر حيادياً.

 وإن بوادر هذا التمرد قد بدأت تلوح في أفق التغيير، وكثير من المتلقين الذين لم يعد لهم ثقة بالإعلام المطروح، إما تجنبوا الأخبار، أو بدؤوا يشاهدون ويعون هذه الصناعة غير المتقنة بسبب إهمالها للإنسان والواقع. وهذا يؤكد قول ماكلوهان (أهمية إحاطة الناس بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن وسائل الإعلام)، لأنه بمعرفة كيف تشكل التكنولوجيا الإعلام المحيط بنا يصبح من السهل التغلب على منطق صناعة الإعلام المؤثر على المشاعر، وبالتالي السعي وراء الخبر المحايد. لعلّ الشباب يجد إعلاماً غير مؤدلج يخدم الحاجات والواقع والمجتمع. فمن واجب الإعلام المحايد احترام التنوع الثقافي بوصفه عنصراً محركاً وحيوياً ونواة مركزية لمجتمع الإعلام. واحترام جميع الأوجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لحقوق الإنسان، وتطوير حرية الاستفادة من وسائل التعبير المباشرة (الإنترنت)، وضمان حق مشاركة الجميع دون إقصاء أو تمييز. ويفترض بوسائل الإعلام أن تمثل المجتمع تمثيلاً حقيقياً فتكون مرآة تعكس صورة المجتمع وقيمه وآرائه وأفكاره وعاداته وتقاليده وكل ظروفه.

العدد 1105 - 01/5/2024