القراءة وحرية الشباب في زمن العولمة

يتوق الشباب دائماً إلى العيش بحرية، وبالتالي التمتع بحياة ذات معنىً أعمق ضمن مجتمع ذي مستوى ثقافي أفضل. والسبيل للوصول إلى ذلك متوقف على عدة عوامل، منها الشاب نفسه، فمن أين يستمد الشاب ثقافته كي يبني مجتمعاً ذا مستوى ثقافي عالٍ؟

تختلف الثقافة عن العلم فهي طريقة حياة، إنها ذلك الكل المركّب،  وبالتالي فهي قابلة للتطور بما يتناسب مع رغبة المجتمع والأفراد إذا هم أرادوا وسعوا لذلك. فالشباب يحلم ولكن هل يريد ويطمح ويسعى؟ سؤال يطرحه كل شاب على نفسه، مع إضافة العديد من الأسئلة الفرعية: هل أنا أبحث لأدرك؟ هل أنا أقرأ، وكيف لي أن أطالب وأنا لا أعرف؟ وغيرها من الأسئلة التي تحدد مراده ومطالبه بوضوح ومنهجية. إذا فالحل هو بالبحث والمعرفة، والسبيل الأفضل لذلك هو المطالعة، برغم انتشار الفضائيات والإذاعات التي تتبع أيديولوجيات مختلفة والتي تقدم رؤى عديدة ومتنوعة، ولكنها تبقى محدودة.

والقراءة والمطالعة واجب على كل الشرائح، ويسهل ذلك بتعلمه من الصغر إذ إنه دافع مكتسب حسب الأسرة والمجتمع المحيط. فتعليم الطفل القراءة في الصغر هو ما يجعله مستمراً بذلك في جميع مراحل حياته. وهنا يأتي دور المؤسسات الاجتماعية المعنية بالأسرة والطفل في توعية الأسرة والحث على القراءة ودور المدرسة أيضاً.

وبحسب العديد من الدراسات تبين أنّ نسبة الشباب القارئ ضئيلة، أما نسبة الشباب المطالع لوقت قصير (لا يتجاوز الساعة) لا بأس بها، ونسبة الشباب الذي لا يقرأ كبيرة، سواء أكان من الشباب المتعلم الذي يكتفي بكتب الكليات، أو الشباب العامل الذي يبتعد كثيراً عن القراءة، وهذا لعدم التمييز بين مفهوم العلم ومفهوم الثقافة في مجتمعاتنا المادية التي تمجد الغنى على العمق المعرفي. وبالتالي نشهد انتشار ثقافة الاستهلاك التي تمجد الوصول إلى الثروة دون الحاجة إلى العلم والمعرفة، وهي ثقافة خطرة على المجتمع العربي وعلى قيم الشباب واتجاهاتهم نحو العلم والعمل والثقافة، كالشاب الناشئ ضمن عائلة ثرية والذي شهد وصول والده إلى المال والجاه دون مطالعة. وبالنسبة للشاب الناشئ ضمن بيئة ميسورة أو فقيرة كلاهما يجد أن المطالعة لا يمكن أن تضمن مستقبلاً وتطعم خبزاً بسبب هذا التوجه المادي والابتعاد عن الفكر.

هناك نتائج لعديد من الدراسات العربية تظهر أسباب العزوف عن القراءة ومنها:غلاء الكتب، والتسويق غير الجيد للكتب، ووجود محدود للكتب القيمة، وعدم توفر المكتبات ودور القراءة، وعدم وجود الوقت للقراءة، وعدم تشجيع الحكومات المطالعة. وأسباب أخرى كتمضية الوقت بمشاهدة التلفاز، وخاصة برامج الترفيه، وعدم الرغبة في القراءة وعدم وجود سبب. أما الأسباب الأخيرة فتعود إلى الإرادة لاشيء غيرها.

وبالنسبة للأسباب الأخرى فهي ليست إلا عبارة عن أسباب غير واقعية في عصر السرعة الحالي وعصر الإنترنت والعولمة، إذ إنه أصبح من السهل جداً الوصول إلى المعلومة وقراءة الصحف والمجلات والكتب المتنوعة والمختلفة، والوصول إلى العوالم جميعها وإلى المعلومة من قبل أبناء مجتمعاتنا والغوص في ثقافة ومعرفة المجتمعات النامية والمتقدمة  كي يستطيعوا عبر مطالعتهم أن يتمردوا على الجزء من الثقافة المحلية الذي يدعوهم للحفاظ على معتقداتهم وعاداتهم الاجتماعية وتقاليدهم التي يقف جزء كبير منها ضد التقدم للأسف. دون الاكتراث ببعض الأفكار المعادية للإنترنت والتي تطرح مفهوم التلقي السلبي عبر الإنترنت والذي لخص عبر بعض الطروح بأن الشاب أمام هذا العالم الغني بالأفكار والمعلومات ليست لديه في الغالب رؤية نقدية لما يتلقاه من معلومات تميز الغث من الثمين، فهو متلق سلبي ومن طرف واحد.ويبقى السؤال هنا: إذاً من يمتلك هذه الرؤية ؟ولا جواب إلا أنه هو نفسه من يستطيع التمييز بعد أن يطلع على الموجود ويعمق بحثه به فيميز الجيد من الرديء.

كما يمكن أن نخفف نحن العرب من ارتباطاتنا العاطفية المبالغ فيها، كما طرح بعض الشباب، والتي تتمثل هنا بالارتباط بالكتاب الورقي الملموس.

قد تختلف الميول تجاه نوع الأفكار والمعلومات التي يرغب فيها القارئ إلى حد معين، ولكن شبابنا إن قرؤوا فإنهم يقرؤون في الموضة وأخبار المشاهير والرياضة والقصة. ولكن نادراً من القارئين هم من يتطرقون إلى المواضيع السياسية والنفسية والاجتماعية والفلسفية التي تمس صلب الحياة، والتي تؤدي للوصول إلى ثقافة تليق بالإنسان وتطوره.

والشباب بحاجة إلى توجيه الاهتمام له ووضع استراتيجيات وطنية وسياسات عملية لإعادة الاعتبار للثقافة والتركيز على البحث والمطالعة من الحكومات، وإن لم تقم الحكومات بهذا فعلى الشباب نفسه أن يريد ويسعى ويطالع ليدرك مطالبه ومراده، وأن يكون قادراً على مطالبة حكوماته بها بالشكل الأمثل الذي يجعل منه الجيل القادر على بناء الوطن فيما بعد.

إن الوصول إلى المبتغى ليس بتلك البساطة، وإننا نجد أنه لا يمكن للشاب في هذا الوقت الذي زاد فيه الترفيه أن يقضي وقتاً طويلاً  في القراءة التي تسبب الملل، كما يشكو الأغلبية. ولكن يجب عليه أو على القارئ المبتدئ بشكل عام أن يدرك أن ما من شيء سهل المنال، وأن القراءة ليست متعة سهلة المنال فقط، فلكي تحصل على نتائجها فلا بد من التعب، ولكن هذا يختلف بخصوص القارئ الممارس الذي يجد متعته في القراءة إذ إنها تغدو سمة من سمات شخصيته، والبحث عن المعرفة جزء من يومياته فهو الذي يسعى إلى السمو المعرفي، وبالتالي إلى بناء وطن سامٍ عن طريق شعب مثقف.

العدد 1105 - 01/5/2024