القيادة فن ورؤية

يقول أنطوان دي سانت إكسوبيري: (إذا أردت أن تبني سفينة، فلا تدفع الناس لجمع الأخشاب ولا تبدأ في توزيع المهام والأعمال، بل الأفضل أن تعلمهم أن يتوقوا إلى اتساع البحر اللانهائي). فأين نحن الآن من هؤلاء القادة الملهمين الذين يبثون الروح الإيجابية بين أبناء مجتمعاتهم المحلية لتتكاتف جهودهم وتصب في إطار سلامة الوطن. في فترة غير مسبوقة تشهدها سورية من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية كبرى أثرت على جميع نظم المجتمع وهياكله الأخرى، مترافقة مع تغيرات عميقة في بنية المجتمع على جميع المستويات، الأفقية والعمودية، الأمر الذي نتج عنه أزمات ومشاكل كبرى، كأزمات في القيم والمرجعيات والسلوك، إضافة إلى أزمة في الأخلاق، وغيرها الكثير من المشاكل والأزمات. وكل ذلك لغياب قادة ومرجعيات مؤثرة بطريقة بناءة في المجتمعات المحلية.

فالقائد كما يصفه لؤي الذي يعمل في إحدى المؤسسات الاجتماعية، هو: (القائد إصرار لأنه يبث الفكرة المثالية التي يؤمن بها في جماعته ليحملها على معاونته في تنفيذه الفكرة رغم العقبات الكثيرة، وإرادة لأنه هو من يريد ثم يعمل ويثير رغبة العمل في نفوس الآخرين ويوزع عليهم الأدوار والمسؤوليات لتحقيق ما أراد، وأخيراً تخطيط لأنه الذي يرى ويفكر ويعمل ويدفع إلى العمل في سيبل المصلحة العامة)، وعن أهمية القيادة في التغيير ذكر لؤي قول الخبير وارن بنس: (إنَّ القيادة هي المقدرة على تحويل الرؤية إلى حقيقة).

 

القائد والأزمة

(يتجلى دور القائد في اللحظات الاستثنائية، إذ يستمد قراراته من قدرات مجتمعه ووطنه، ففي هذه الظروف يكون بوسع القادة أن يقوموا بأدوارهم التاريخية كما لم يكن لهم في أية ظروف أخرى، ويتيحون للأمة أن تنسج تاريخها الجديد بإرادتها، لا بحكم الواقع، أسوة بكثيرين كشارل ديغول ولينين وبسمارك ونيلسون مانديلا وغيرهم الكثير) السيد وسيم سنونو.

ولو أسقطنا ذلك على الأزمة التي تعانيها سورية لم تنسجم الإجراءات الحكومية مع الواقع بما يعيشه المجتمع من ضائقة اقتصادية نهشت في بنيته، وكأن القائمين على هذه القرارات ينسون أن القيادة ليست كلمات بل سلوك وأفعال، وكأنهم غضوا الطرف عن أن الرتبة ليست امتيازاً أو مصدراً للقوة، ولكنها مسؤولية منبثقة من المجتمع واحتياجاته. فيجب أن تتقاطع القرارات مع قضايا الناس البسطاء، وأن يتمسك المجتمع بقضاياه وهمومه الصغيرة منها والكبيرة، والمتعلق منها بمشاكله الاجتماعية وبما يتعلق منها بمشاكله المعيشية. فالقيادة الفاعلة كما يصفها ستيفن كوفي هي وضع الشيء الأهم أولاً، بينما الإدارة الفاعلة هي النظام والتنفيذ.

يقول الجنرال بيل كريتش: يعتقد كثير من الناس أن عملية إلغاء المركزية تعني فقدان السيطرة والتحكم، وهذا ببساطة غير صحيح، إذ بإمكانك تحسين السيطرة والرقابة إذا نظرت إليها على أنها السيطرة على الأحداث لا على الناس، فكلما كان لديك المزيد من الناس الذين يقومون بالسيطرة والتحكم بالأحداث، فذلك يعني أن لديك المزيد من الناس المهتمين بمسألة السيطرة والتحكم بالأحداث، أي المزيد من الناس الذين يعملون على تحقيق وإنجاز الأحداث المطلوبة، وبالتالي المزيد من السيطرة والرقابة داخل المؤسسة.

فنحن بحاجة إلى تشابك الأيدي والتعاون لنصل جميعاً ببلاد الشمس إلى شواطئ السلام، ولنبدأ اليوم بزراعة ما نأمل في حصاده في الأجيال القادمة، فالمستقبل ليس في الوظيفة، بل في الشخص الذي يشغل هذه الوظيفة.

العدد 1104 - 24/4/2024