بعد زيارة العاهل الأردني لموسكو عملية السلام في العام 2013 مساراً ومصيراً!

عاد العاهل الأردني عبدالله الثاني من لقائه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قصر الكرملين، الذي وصف بـ(اللقاء الاستكشافي)، والهدف منه محاولة دفع عملية السلام الشرق أوسطية، وجس نبض الاستعدادات المتقابلة لـ(الرباعية الدولية)، وتهيئة الظروف والمقومات لاستئناف المفاوضات، في ضوء الجولة الشرق الأوسطية التي سيقوم بها الرئيس الأمريكي أوباما ووزير خارجيته الجديد جون كيري.. وهذه المبادرة التي قام بها العاهل الأردني عبر زيارته للعاصمة الروسية موسكو، جاءت بعد انتزاع (م. ت. ف) عضوية الدولة المراقبة في الأمم المتحدة، وبعد الانتخابات الإسرائيلية التي أعادت بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة في إسرائيل.

في الواقع حصل تقاطع والتقاء في مصالح الأطراف المفاوضة والراعية، من أجل تحريك المفاوضات على المسار الفلسطيني- الإسرائيلي.. فالأردن لديه مخاوف من الأفق المسدود الذي بلغته عملية السلام، وهو يريد إعادة إحياء دوره في عملية السلام، وملء (الفراغ الذي خلفته مصر بعد مبارك). ويرى الأردن أن عملية السلام واستمرارها وصولاً إلى (حل الدولتين) خيار استراتيجي، وقيام الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة هو خط الدفاع الأول عن الكيان الأردني.. فهو المتضرر الأكبر من غياب المفاوضات، ولاسيما أن العالم مشغول بقضايا أخرى.. فأوربا بأزماتها المتتابعة دولة وراء أخرى، والولايات المتحدة بأزمتها الاقتصادية المتفاقمة، وسط غياب (الرباعية الدولية) في هذا الملف.

 

روسيا في زمن بوتين عائدة لتمارس دورها

لقد أصبح اسم بوتين مرتبطاً ارتباطاً واضحاً بعودة روسيا لتمارس دورها بوصفها قوة عظمى على الساحة الدولية، الأمر الذي سيصطدم قطعاً بمصالح القوى الكبرى الأخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وتشير الدلائل إلى عزم موسكو على مواكبة التطورات في الشرق الأوسط، وجمع طرفَيْ الصراع (الفلسطيني والإسرائيلي) إلى طاولة المفاوضات.. عندما أعلن زعيم الكرملين السيد بوتين: (العالم يتغير بسرعة، واستمرار التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين يخفي أخطاراً متنوعة تهدد استقرار الشرق الأوسط والعالم). فيما الأزمات الاقتصادية والمالية والهزات التي تشهدها مناطق من العالم تشجع بعضهم على حل مشاكله على حساب آخرين، باستخدام وسائل الضغط العسكري. ولفت بوتين إلى ما وصفه بأنه (بروز قوى هدامة في بعض مناطق العالم، تهدد أمن الشعوب). ورأى أن (الدول التي تحاول تصدير الديمقراطية ولا تتوانى عن انتهاك القانون الدولي وسيادة الدول، هي حليفة لهذه القوى).

وتحاول الإدارة الأمريكية استخدام ورقة المفاوضات لتلميع صورة الرئيس الأمريكي أوباما بعد فوزه بولاية رئاسية ثانية، وبالتالي كسب ود اللوبي اليهودي في هذه المرحلة التي يستعد فيها أوباما لزيارة المنطقة. فإدارة أوباما طلبت من الأردن التدخل لحلحلة العقد، والتشاور مع إدارة الكرملين، ما دامت هي عاجزة عن التأثير في مواقف الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. ومن شأن تحريك المفاوضات، حسب بعض المحللين الأمريكيين، تغيير الأجندة الفلسطينية.. وتأجيل تحقيق المصالحة الفلسطينية، وإشغال (م.ت.ف) بما يجعلها بعيدة بما يكفي عن متابعة ملفات المصالحة.

بينما يريد الإسرائيليون ترميم علاقاتهم الفاترة بالأردن، وفك العزلة التي يعانونها.. ويشعر بنيامين نتنياهو بأنه بحاجة إلى متابعة الاتصالات مع السلطة الفلسطينية من أجل تخفيف أجواء العزلة التي يفرضها المجتمع الدولي على إسرائيل، بسبب مشاريعها الاستيطانية في الضفة الغربية ومدينة القدس.. كما أن ما يجري في الدول العربية من حراك شعبي وسياسي سيؤدي إلى إحداث تغيير جذري في المعادلة السياسية والاستراتيجية الشرق أوسطية، وبالتالي صعود القوى الراديكالية إلى الحكم في عدد من البلدان العربية سيؤدي حتماً إلى مراجعة سياسية وأيديولوجية لكل المواقف والمعاهدات المتعلقة بالصراع العربي- الإسرائيلي.. ولابد أن تتوقع إسرائيل حدوث المزيد من الضغوط الأمنية، سواء في الضفة أم في غزة، إضافة إلى تبدل في أجواء المحيط الجيو- ستراتيجي الممتد من سيناء وغزة إلى جنوب لبنان والجولان.

ليس لدى السلطة الفلسطينية ماتخسره، فإذا استؤنفت المفاوضات بشروطها، وأولها تجميد الاستيطان والقبول بحدود عام 1967 أساساً للمفاوضات على (حل الدولتين)، تكون قد أحرزت إنجازاً تفاوضياً واختراقاً هاماً في جدار الموقف الإسرائيلي. وإذا فشلت هذه (اللقاءات الاستكشافية) في إحياء المفاوضات، فستستخدم السلطة هذا الفشل مبرراً ودافعاً لخيارات أخرى، ومنها القيام بحملة دبلوماسية دولية ضد إسرائيل، بما يشمل اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية وإلى مجلس الأمن، للمطالبة بوقف الاستيطان ومحاكمة قادة الجيش الإسرائيلي على جرائم ارتكبوها.

ويمكن للأردن أن يلعب دوراً إيجابياً عبر التنسيق مع روسيا، لكن لقاء موسكو لم يخرج عنه ما يشير إلى تحقيق الأهداف المرجوة منه لدفع عملية السلام قدماً.. وبالتالي إذابة الجليد عن المفاوضات الثنائية المباشرة. على الرغم من الاختراق البسيط الذي جرى، والذي تمثل في دخول الرئيس بوتين والملك عبدالله الثاني في بحث حول مواضيع (الحدود والأمن والاستيطان والسيادة والمياه).. فالمفاوضات بين طرفَيْ الصراع لاتزال تراوح في الدائرة المفرغة نفسها، والتوصل إلى استئناف المفاوضات المباشرة التي يمكن أن تفضي إلى اتفاق سلام شامل وعادل ودائم بين الطرفين لايزال بعيداً، ودونه العديد من العقبات في مقدمتها:

1- رفض إسرائيل لتقديم أي رؤية للحل.. مثل: تجميد البناء في المستوطنات وعدم توسيعها، وقبول خط الرابع من حزيران 1967 أساساً للحل السلمي.

2- التطورات المستجدة في عدد من البلدان العربية (ثورات الربيع العربي) التي بدأت تغيّر طبيعة الشرق الأوسط، وتزيد من تأثير الشعوب والرأي العام على قرارات الحكومات، مما سيؤدي إلى تصلب المفاوض الفلسطيني في مواجهة سياسة شراء الوقت الإسرائيلية.

3- غياب الدور المركزي الأمريكي، خصوصاً بعد إخفاق الرئيس أوباما في تحقيق وعده الذي أطلقه في أيلول عام ،2010 والمتضمن التوصل إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال سنة واحدة، وليس هناك ما يدل على أن فرص النجاح متوفرة الآن.

4- المشهد الشرق أوسطي برمته الآن، لا يصب في مصلحة الفلسطينيين.. فجمهورية مصر، الداعم المركزي للقضية الفلسطينية، تعاني اليوم اضطرابات داخلية ومشغولة في عدد من الاستحقاقات التشريعية والدستورية وصولاً إلى الانتخابات البرلمانية والبلدية والنقابية.

5- يشارك الفلسطينيون إخوتهم الأردنيين من باب المجاملة، أكثر من قناعتهم بجدية الإسرائيليين في الدخول بمفاوضات حقيقية، إضافة إلى أن قيادة (م.ت.ف) ستختار (الانتحار السياسي) إن قبلت استئناف المفاوضات مع التخلي عن شروطها التي أصرت عليها منذ عام. كما أن وضعها سيكون صعباً إن قبلت تمديد المهل التي حددتها.. كما أن الخلافات الفلسطينية الداخلية مازالت قائمة، على الرغم من تمسك حركتَيْ فتح وحماس والتزامهما بتطبيق اتفاق المصالحة، ومواصلة الحوار والسير قدماً في تحقيقها ، على الرغم من وجود بعض (المنغصات).

ولا تتوافر في المستقبل المنظور الظروف الموضوعية للبحث جدياً في إحداث اختراق في جدران المأزق الراهن.. من هنا فإن زيارة الملك الأردني عبدالله الثاني إلى موسكو لا تعدو أنها محاولة لكسب الوقت وتحريك المياه الراكدة، بانتظار ما ستؤول إليه (ثورات الربيع العربي). ويقول مراقب متابع: (إن عملية السلام الشرق أوسطية أشبه بركوب الدراجة، فإن توقفت عن استخدام البدالات سقطت عنها). وقد توقف الفلسطينيون والإسرائيليون في الوقت الراهن عن استخدام البدالات.. فتبدو قيادة (م.ت.ف) مقتنعة بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية غير قادرة على إبرام اتفاق سلام، أو على الأقل اتفاق يمكن التعايش معه.. أما بنيامين نتنياهو فيرى أن (شروط التفاوض صعبة وغير مسبوقة)، ومن ثم لا يرغب في دفع ثمن سياسي باهظ نظير المشاركة في المفاوضات.. ولكن المنطقة والإقليم يقفان على مفترق جديد في ظل تعثر (ثورات الربيع العربي) وعجزها عن لعب دور في قوة التغيير على المستويين الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي، بحيث بات لزاماً على (الرباعية الدولية) إدراك خطورة الاستمرار في إضاعة كل الفرص المتاحة، والمرحلة الانتقالية بين النظامين الدوليين القديم والجديد.

العدد 1105 - 01/5/2024