ارحل أيها الوهم… فلدينا الكثير لنفعله

ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟ هو ذا السؤال الذي يحرج كل الأطفال، فأغلبهم  يتخذ جواباً جاهزاً هارباً من السؤال، والقليل الآخر يظل قلقاً تجاه هذا السؤال الذي يدع مخيلته دائماً ترى أن الأعمال كثيرة وأنه لم يرسُ على بر الاختيار بعد.

هو ذا مثال للفرق بين الوهم والطموح، يتجلى في طريقة استجابتنا لهذا السؤال، ونكبر…..، ويظهر الفرق بين المتضادين، فنجد أن الوهم قد تجلى بالإجابة الجاهزة التي استحضرناها دائماً، خجلاً من الناس أو إحراجاً من عدم الإجابة، أو الحلم بأفضل ما هو موجود في الواقع ومرغوب من الآخرين. ونجد أن الطموح كامن خلف صمتنا أو إجابتنا المترددة أحياناً.

هو ذا الفرق بين الحلم والطموح، يُدرك بمقارنة كل إنسان لفكرته المتخيلة عن شخصه بعالمه الخاص مع الواقع المعيش وشخصه الاجتماعي، ويُلاحظ بمدى التقاء هذين العالمين، فكلما زادت الهوة بين هذين العالمين كان العالم الشخصي في انحياز للوهم وبعد عن الطموح أي بعد عن الفعل، لأن الطموح يبدأ بحلم ويكتمل بالعمل والسعي لتحقيق هذا الحلم.

افتقدنا الإرشاد، فكيف نخطط لطموحاتنا؟ أو كيف نجدها؟ فلم نتعلم هذا في المدرسة، وما من مناهج علمتنا أن نتعرف أكثر على مقدراتنا وميولنا وهواياتنا وما الذي نجيد، كي نحدد ما نريد. وإنما سئلنا كثيراً عما نريد فقط، ما من أحد أجهد نفسه بتعليمنا ذلك، وإنما واجهنا الصعوبة بإجابة الكثيرين عما نجهل. بالإضافة إلى العامل الاجتماعي الذي أخذ الدور الأكبر بتحديد طموحاتنا، بعيداً عن الإيمان بهذه الطموحات وما سنحقق عبرها. لذلك فإن غالبية الشباب وجد نفسه أسير مهنة أو دراسة، ومن ثم عمل لأجل الاستمرار فقط لا من أجل العطاء والانجاز، والقلة القليلة منا نتيجة الفطرة أو التربية الفردية المعطاءة خططت لطموحاتها ومرادها بشكل مقبول فوجدت طريقاً راضيةً عنه.

ما نفتقده هو العمل والفعل، بعضنا أحلامه ممكنة التحقيق، ولكن غياب العمل قتلها فبقيت خيالاً بخيال. والبعض يحلم هرباً من الواقع ونتيجة الكسل لعدم يقينه ماذا يريد. والبعض الجاد أحلامه تحتاج الجهد ويعمل كي يحققها برغم كل الظروف، وهذا هو طريقه الشاق السعيد لطموحه. ظروفنا ليست بالسهلة، وهذا لا يبرر إهمالنا لأمانينا التي تحتاج إلى العمل والتصميم كي لا تبدد وتظل حلماً جميلاً وهمياً، ونحن بحاجة إلى تقدير عميق لقيمة العمل والإنجاز لنحول أحلامنا إلى طموحات.

يلاحظ أن الشباب يثور بمطالب مختلفة، ولكن ثورته لن ترحم الساخطين من الحاضر، الجاثين الحالمين بالمستقبل. فالأحلام مهما بدت جميلة لا تستطيع أن تحمي الإنسان من الكسل، ولا من الابتذال، هكذا خلسة يحلم بالتغيير كل حالم وواهم، فمن ذا الذي يحرر كل أصحاب الأحلام الوردية ويهتم بتحرير أولئك الغافلين المنغمسين عن الواقع من الخيال؟ لن يسعى أحد إلى تحرير هؤلاء، بل ستدون الصفحة الأخيرة من تاريخهم للأسف، فالوقت وقت العمل، يملي هذه الصفحة على الشباب، بالتأكيد، المناخ السائد الحالي والافتقار الثقافي والفكري لمعنى الحياة، وسيأتي يوم  ستُرشد فيه الأجيال القادمة كيف ستحقق أحلامها وتصيرها طموحات، فما واجه البعض من صعوبة شاقة لإيجاده، وما افتقده الكثيرون سيقدم لمن يشاء تحقيق طموحاته من الأجيال القادمة ،ولمن يريد أن يعمل، ولن يبقى مجال لمن يتوهم  في الزمن القادم المبشر بالإنجاز.

العدد 1105 - 01/5/2024