الإغاثة في سورية عمل دؤوب لا يخلو من المنغصات

دموع تلك الأم النازحة مع طفلها تلخص الواقع الذي تعيشه سورية منذ أشهر طويلة، فقد انعدمت أبسط مقومات الحياة الإنسانية في العديد من المناطق، وصاحَبَها حالة من العوز المعيشي والصحي لآلاف السوريين. فمع تصاعد حدة الصراع هرب مئات الآلاف من بيوتهم لا يحملون إلا ذكريات وآلاماً وآمالاً بالعودة إليها في يوم ما، متجهين إلى أي بقعة آمنة.. والمحظوظ منهم تمكن من إيجاد مكان له ضمن أحد مراكز الإيواء التي أنشأتها الحكومة، التي تبذل فيها ما بوسعها لإغاثة المهجرين وتوفر لهم الحاجات الأساسية، بالمقابل نشط الكثير من الجمعيات والهيئات في مجال الإغاثة استجابة للتحديات التي خلقتها المرحلة الحالية، وقد تخطت بعض مراكز الإيواء عملية الإغاثة إلى مرحلة البرامج التنموية، عبر تقديم مبادرات ترفيهية وتعليمية، إضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي.

وقد تطوع الشباب السوري للعمل في مراكز الإيواء لتأمين الاحتياجات لمن يعيشون فيها، في خطوة يسعون بها للتخفيف من الصدمة الموجعة التي ألمت ببلادنا. وللوقوف على واقع العمل الإغاثي في سورية التقت (النور) السيد أحمد خضر منسق العمليات في مراكز الإيواء بدمشق في الأمانة السورية للتنمية، الذي بيّن أن الصعوبات التي تعترض العمل الإغاثي حالياً هي نتيجة الأوضاع غير المستقرة، والتي ولدت صعوبات في التنقل وتأمين المواد والمستلزمات.

وعن الوضع ضمن مراكز الإيواء قال الخضر: (إنه نسيج من جميع شرائح المجتمع، ولأن المجتمع السوي غير معتاد على هذه الظروف فقد ظهر الكثير من العقبات، كصعوبة التأقلم والتعامل، إضافة إلى وضع أكثر من أسرة ضمن الغرفة الواحدة، الأمر الذي تجاوزناه بتقسيم الغرف)، وأضاف: (كما أننا وضعنا مسؤولاً ضمن كل مركز من الموجودين ضمنه (المختار) بحيث يعمل على حل المشاكل الموجودة وتلافي الخلافات الناتجة)، وأشار إلى وجود مشاكل نفسية واجتماعية وغيرها، ولهذا (ننفذ برامج ومبادرات بالتزامن مع العمل الإغاثي وذلك للدعم النفسي، كما نقوم بالتشبيك مع الجهات الصحية لمتابعة الوضع الصحي للنازحين).

ولفت الخضر إلى اتفاق الأمانة السورية مع محافظة دمشق بحيث تقدم المحافظة الدعم المالي واللوجستي، وبالمقابل تقوم الأمانة بالإشراف على جميع مراكز الإيواء، وأكد أهمية هذا العمل التشاركي للوقوف على تلبية متطلبات الأسر المتضررة من خلال تزويد الموجودين بمهارات تعليمية، والعمل على زيادة المهارات عند الأطفال ودمجهم، وبين أن أعداد مراكز الإيواء الموجودة في دمشق والتي تشرف عليها الأمانة هي 23 مركزاً، إضافة إلى مركزين يتبعان للاتحاد النسائي، وعدد من المراكز بإشراف وزارة الأوقاف. وفيما يتعلق بأعداد اللاجئين أشار منسق العمليات في مراكز الإيواء بدمشق أن عددهم 9000 ضمن المراكز التي تشرف عليها الأمانة.

يُشار إلى أن (الأمانة السورية للتنمية)، تعمل في سورية على دعم واحتضان المبادرات المجتمعية، وتشجيع المواطنة الفعالة وريادة الأعمال وثقافة التطوع، وبناء القدرات والمعرفة وتشاركها، وتعزيز الشراكات مع منظمات المجتمع المدني والأفراد لمناصرة القضايا التنموية.لكن العمل المقدم على أهميته مازال ينتظر مزيداً من التشبيك والتعاون بين الجهات المعنية كافة من مجتمع مدني ومؤسسات حكومية وقطاع خاص لتفعيل دوره بشكلٍ أفضل. خاصة مع وجود العديد من المشاكل ضمن المراكز. فالاختصاصية النفسية السيدة (رشا طيري) أشارت إلى أن وضع المراكز مأسوي من الناحية الإنسانية، بسبب وجود أعداد كبيرة من الناس في أماكن غير مجهزة تجهيزاً كافياً لاستضافتهم من ناحية القدرة على استخدام الحمامات والمطابخ، إضافة إلى قلة كمية المواد الإغاثية المقدمة، فهم لا يزالون بحاجة إلى كمية أكبر من الأكل والملابس ومواد النظافة والأدوية، كما يلزمهم التوعية الصحية والتربوية، وتنقصهم الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية، والمساعدة على التأقلم مع الأوضاع الحالية، وتمكينهم من العيش (بسلام) مع الآخرين والترفيه عنهم.

من ناحية أخرى تفتقر المراكز لأماكن مناسبة لتنفيذ أكثر من نشاط مع الأشخاص المقيمين فيها، منبهة إلى أن أغلب النشاطات موجهة للنساء والأطفال لا للرجال.

وعن الوضع النفسي للموجودين ضمن مراكز الإيواء قالت السيدة طيري: (تظهر لدى النازحين من الناحية النفسية مشاعر الفقدان والحزن والتوتر والقلق والكآبة والخوف والتمييز فيما بينهم والضياع والحنين والفراغ. فمنهم من يحتاج إلى المساعدة بشكل فردي على تجاوز أزمته النفسية، وآخرون يلزمهم أن يتعلموا كيف يتعاملون مع الصدمة التي تعرض لها أحد المقربين لهم، أو لتجاوز الآثار النفسية الناجمة عن النزوح).

ومن الناحية الاجتماعية قالت: (هم يعانون وجوداً مفاجئاً لأشخاص غريبين عنهم من حولهم، مما يخلق لديهم صعوبة التعايش مع تقاليد وعادات مختلفة عنهم، فهم بحاجة إلى أن يربوا أولادهم دون تدخل الغرباء بعملية التربية، إضافة إلى حاجتهم للخصوصية أكثر). كما أكدت أن الأطفال يعانون ضيق المساحات والملل وهدر الوقت، -وبعض الأحيان- من عدم الحصول على الدراسة أو الاستمرار بها ونقص المرح. وأضافت أن الخطوات المقدمة حالياً في العمل الإغاثي تعين النازحين على تلبية بعض الاحتياجات والتعامل مع المشاعر الحالية، وهي تقدم جزءاً من الدعم النفسي الاجتماعي، ولكنها غير كافية للتفريغ والعلاج من الأزمات النفسية، والخدمات الموجهة للأطفال هي في حدودها الدنيا وغير كافية لاستثمار كامل وقتهم، وتعويض ما ينقصهم فيما يخص الدراسة.

أما الخطوات الواجبة لإعادة تفعيل دور النازحين في المجتمع فقالت الاختصاصية النفسية السيدة (رشا طيري):

على الصعيد الحالي: معالجة آثار الصدمة لدى النازحين بأكثر من وسيلة، تفعيل حس المسؤولية والتعاون عندهم، وإشراك القادرين منهم في إدارة المراكز الموجودين فيها، إضافة إلى إشراكهم في أعمال مأجورة -حسب قدراتهم-، والعمل على التوعية ونشر الثقافة على أكثر من صعيد، والسعي لتمكينهم من اكتساب مهارات حياتية ومهنية، مع ضرورة العمل مع اليافعين لزيادة ثقتهم بمقدراتهم والاستفادة منها.

على الصعيد المستقبلي: العمل على نشر ثقافة بناء السلام بين المجتمعات، وإشراك العائدين في إعادة البناء، مع تأكيد تقديم الدعم النفسي الاجتماعي من جانب الجمعيات القادرة للعائدين، مع المحافظة على تقديم المساعدات من أكل ومواد النظافة والأدوات الأساسية وغيرما حتى بعد عودتهم أو استقرارهم في أماكن سكن جديدة لمدة كافية ريثما يستطيعون الانطلاق من جديد.

لغة الأرقام

لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد النازحين السوريين لكنه بلغ بحسب تقارير أممية نحو أربعة ملايين نازح داخل الأراضي السورية، إضافة إلى نحو مليون و200 ألف لاجئ في الدول المجاورة في كل من الأردن ولبنان وتركيا والعراق، حسب المفوضة العليا للاجئين.

وهو رقم يفوق كل التوقعات، وقد يكون الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير، إذ إن الأوضاع الإنسانية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، والكثير من الناس باعوا أراضيهم وأملاكهم بأبخس الأسعار بغية توفير بعض المال للنفقات اليومية. تقول أم فراس (لقد نفدت كل مدخراتنا، إذ صرفناها شيئاً فشيئاً، حتى بدأنا ببيع المصاغ والأملاك. ولكن الأحوال الآن تدهورت إلى أسوأ الدرجات، فقد بدأنا نستدين. ولكن الجميع يعاني ما نعانيه من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية)، وتساءلت أم فراس: (أترانا نبيع منزلنا فكثير من الانتهازيين وتجار الأزمات ينتظرون هذه الفرصة، وأين عند ذاك سنذهب؟ أترانا نصبح نازحين أم لاجئين؟!).

العدد 1105 - 01/5/2024