هل تموت الأوطان؟

في نهاية هذا الخراب كيف سنعمل على إعادة الحياة بعد الموت لوطننا؟ الوطن!

هل تموت الأوطان أيضاً ؟ إنه سؤال بسيط يطرحه إنسان سوري يرى الموت والدمار يومياً؟

 ويمكنني أن أجيب، نعم، حتى الأوطان قد تموت. وأضيف كل ما لا نتمكن من حمايته سيموت، بهذه القسوة؟ أجل، ففي تاريخ البشرية هناك العديد من الحضارات التي اندثرت، والعلماء حتى اليوم لا يمكنهم الإجابة عن سبب موت هذه الحضارات أو اندثارها. هي التي لم يبقَ ما يدل عليها وعلى سكانها وتاريخها إلا القليل من الآثار. ما الذي حدث فعلاً؟ لا أحد يعرف الآن. ولكن لابد أن ما حدث كان مريعاً لتندثرَ. واليوم ما الذي نشهده في بلادنا؟ أليس تدميراً ممنهجاً وتخريباً كارثياً لكل شيء؟ للمعامل، ولمحطات الطاقة، ولآبار النفط، للغابات، للطرق، للمنشآت، للمتاحف، للأوابد الأثرية، للقرى وللمدن، لتعب الناس وأرزاقهم وأماكن ممارستهم لحياتهم المهنية والمعيشية.

 السّوريون الذين يشاركون في القتل اليوم والذين يسكتون عن القتل والذين يبررون القتل، والسوريون الذين سرقوا أو سمحوا بسرقة تاريخهم وآثارهم ومخطوطاتهم التاريخية وتهريبها إلى خارج البلاد، والذين سرقوا معامل بلادهم وفككوها بمشاركة وسطاء خارجيين، والسوريون الذين أبادوا غابات بأكملها، وحرقوا صوامع الحبوب والزرع، ومنعوا الفلاحين من جمع محاصيلهم، في حين هناك عدد كبير من الناس جائعون، والثمار تسقط عن الأشجار لتتعفن على الأرض لأن من يقترب ليجنيها مهدد بالقتل، والذين منعوا العمال من التوجه إلى أعمالهم، وربما في أحيان أخرى قتلوهم أثناء توجههم لعملهم، والطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم،  وسمحوا للغرباء بالدخول إلى قراهم ومدنهم وبقتل أبناء شعبهم، السوريون الذين سمحوا بالعنف وسكتوا عن العنف والذين عالجوا العنف بالعنف، اليوم مدانون وغداً مدانون، لأن التغيير الحقيقي نحو مجتمع  أفضل لا يمكن أن يأتي بالعنف، فالعنف لا يولد إلا العنف.

 والشروخ الاجتماعية الحاصلة اليوم بسبب العنف، لا يمكن أن تثمر سوى العليق المر، كيف ستحيا هذه البلاد فوق أنهار الدم، وهل ستنسى هذه المرحلة العصيبة؟ وهل سنتعلم الدروس الكبيرة؟ لمستقبل أطفالنا ومن بقي من شبابنا الذين أُهدرت حياتهم وأحلامهم تحت رحى الحرب الغريبة هذه، والتي لا تحترم أي قانون من قوانين الحروب المتعارف عليها، لم يبقَ لنا سوى القليل من الأمل نتعلق بخيطه الرفيع خشية أن ينهار من بقي منا مع القليل الباقي من هذا الوطن المُدمى. لعل شبابنا وشيبنا يتعلمون كيف يتحاورون ويتجادلون بالكلمة لا بالسلاح، بالأفكار لا بالقنابل، بفتح باب الجدل السياسي والفكري وقبول الاختلاف بدل فرض وجهات النظر بالقمع والاكراه، بالتواضع بدل كبرياء الرجال المدمر حين لا يكون في مكانه. لعلنا نعيد الثقة بأنفسنا جميعاً، الثقة التي انهارت تماماً بين سكان البلد الواحد.

كل ما لا يمكننا حمايته بالطريقة الصحيحة سيموت، وأفضل طرق الحماية هي المحبة والاهتمام الحقيقي، والإحاطة بكل ما في هذه البلاد من مواطنين بؤساء أصبح شعورهم بأنهم غرباء في وطنهم، يثير تساؤلهم عن معنى كونهم مواطنين في هذه البلاد، وربما أحد إيجابيات هذه الأوقات العصيبة أنها ستفتح باب التساؤل حول العديد من القضايا الهامة، ومنها المواطنة الحقيقية، وبعد فترات ركود طويلة. تخلُّل المجتمع السوري بهذا العنف، لا بد أن ينتج إضافة إلى كل ما هو مرعب وسيئ سمعنا به أو رأيناه، لابد من أنه سينتج وعياً جديداً، ربما بعد زمن سيبني وطناً حقيقياً إن استطعنا أن ننتزعه اليوم من الموت.

العدد 1105 - 01/5/2024