القدح والذم في شبكات التواصل

يشهد عالمنا تحولات جذرية في إطار العلاقات التقليدية السائدة بين الأفراد وانتقالها من إطار التعاملات الورقية إلى التعاملات الإلكترونية في مختلف الفعاليات الإنسانية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعلمية والقانونية. فقد وفرت الثورة المعلوماتية دخول شبكة التواصل (الإنترنت) إلى كل بيت و مؤسسة وشركة. وهذا النوع من الإعلام الإلكتروني (الإنترنت) وفر مساحات واسعة لتداول وتبادل الآراء والمشاركة، اشتمل على صحف إلكترونية ومنتديات ومدونات وفيس بوك وتويتر. ومع تطور البرامج والوسائل الخاصة بالإنترنت تطورت أساليب الإجرام في هذا الفضاء وبات كل من يستخدم الإنترنت عرضة لأن يكون ضحية جريمة تنفذ على بعد آلاف الكيلومترات. هذا الانتقال إلى العالم الافتراضي حوّل الجريمة الميدانية إلى جريمة إلكترونية التي هي أخطر من الجرائم الميدانية المباشرة لاختلاف أشكالها وأنواعها وسهولة اختفاء المجرم بعد أداء الجريمة، بهدف إلحاق الضرر بالآخرين ويختلف الضرر باختلاف الدوافع والأهداف المرادة من الجريمة.

 وقد واكبت سورية العديد من الدول العربية و الغربية بإصدار تشريعات خاصة تهدف إلى تنظيم الفضاء الإلكتروني، فبداية قانون التوقيع الإلكتروني رقم 4 لعام 2009 الذي مهد لمشروع قانون تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية ومشروع قانون النشر الإلكتروني ومسودة الإعلام الإلكتروني لتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات.

 ومن أكثر صور الاعتداء على الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين وقوعاً عبر شبكة الإنترنت جرائم الذم والقدح والتحقير باسم ممارسة الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، وذلك ببث ونشر رسائل تحوي عبارات تنال من الشرف والأخلاق والكرامة. وهذه الجرائم تعاد إلى القوانين الجزائية النافذة ويعاقب عليها بصورة مشددة إذا ارتكبت عبر الإنترنت. فقد نص قانون العقوبات السوري على تجريم الذم والقدح والتحقير في المواد (من 373 إلى 378) تحت باب (الجرائم الواقعة على السلطة العامة) لوقوعها على أشخاص معينين يتمتعون بالسلطة العامة كأفراد أو جهات رسمية.

أما جرائم القدح والذم الواقعة على الأفراد فقد وردت تحت عنوان (الجرائم الواقعة على الحرية والشرف) منصوص عليها في المواد (من 568 إلى 572) وفي محاولة من المشرع لتوفيق بين ضرورتين اجتماعيتين هما حق النقد وحرية الرأي وبين الحفاظ على الكرامة والشرف والاعتبار. جاء في مسودة الإعلام الإلكتروني في الباب السادس (محظورات النشر والرد والتصحيح) التي تنطبق على المواقع الإلكترونية محظورات النشر الواردة في قانون المطبوعات النافذ مستفيدين من المادة  208 من قانون العقوبات لاعتبار شبكة التواصل هي إحدى الوسائل العلنية المنصوص عليها في القوانين الجزائية. فقد يكون الذم والقدح والتحقير وجاهياً أو كتابياً أو غيابياً أو بواسطة المطبوعات، وجميع هذه الصور ترتكب عبر الإنترنت بواسطة المبادلات الإلكترونية أو الصوتية أو الفيديو.

وبما أن الكتابة تشكل الاستخدام الأكبر للإنترنت فإن الذم والقدح والتحقير الخطي يشكل الصورة الغالبة لهذه الجرائم والتي تقع أيضاً بواسطة المطبوعات التي أصبحت تأخذ مكانها على صفحات الإنترنت التي شملت الجرائد والصحف اليومية أو المؤقتة حيث تنشر وتذاع وتوّزع الكتابات والرسوم والصور الاستهزائية ومسودات الرسوم، ويستطيع كل شخص الاطلاع عليها. هذه الأنشطة المادية لجرائم القدح والذم والتحقير تثير مسألة تنازع الاختصاص القضائي بين بلدان تجيز حرية التعبير عن الرأي، وبين بلدان تسعى إلى تطبيق قوانينها المحلية على كل ما يمكن أن يمس حرية الأفراد أو شرفهم واعتبارهم. خطورة هذه الجرائم تستدعي سَنَّ تشريعات جديدة وتعديل النصوص الجزائية التي تكفل حماية الحياة الخاصة للأفراد وصوناً للحرية ودورها في التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

العدد 1105 - 01/5/2024