مقتطفات من البيان الجماهيري للحزب الشيوعي السوداني

ناقش اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني المشترك مع قيادات المناطق المختلفة، المنعقد في صباح الجمعة، الموافق 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 الموقف السياسي، واتخذ ضمن قراراته إصدار هذا البيان:

لم تكن اللجنة المركزية لحزبنا ترجم بالغيب، عندما توصلت في دورتها المنعقدة في حزيران (يونيو) 2013 والاجتماعات الموسعة التي عقدت مع مسؤولي المناطق والمكاتب المركزية والمدن ومع المدن والقطاعات والطلبة، لمقاومة الزيادات، أن الهبة الشعبية أصبحت ماثلة، بل كان ذلك استقراء صحيحاً ومبكراً للواقع، استرشاداً بالماركسية ومنهجها الجدلي طوال ربع قرن من الزمان. أشارت بوضوح لا لبس فيه إلى:

* أن إيديولوجية النظام الطبقية وطبيعته المعبرة عن الفئات الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة، ستدمر الإنتاج وتشعل الحروب وتمزق الوطن.

 * تجاهل النظام عن قصد ومع سبق الإصرار لقضايا الحريات والتحول الديمقراطي والتعددية واللامركزية والهوية وقومية أجهزة الدولة والتنمية المتوازنة كأوّلية قصوى في حل أزمة السودان الشاملة.

* أن الأزمة الوطنية الشاملة تفاقمت في البلاد، وطالت كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.. ومع كل صباح جديد تزداد عمقاً.

* تواصل الحرب وتصاعدها في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، واندلاع الصراعات  القبلية في معظم مناطق الغرب فاقم من الأزمة الشاملة.

* قادت السياسات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية وعدم تنفيذ اتفاقية السلام الشامل لأهم بنودها، وعلى رأسها أبيي، وترسيم الحدود والبترول،  إضافة إلى شمولية النظام والحرب الجهادية والتوجه الأحادي.. إلخ، أدى إلى انفصال الجنوب الذي مثل أكبر كارثة في تاريخ السودان الحديث.

* استمرار هيمنة حزب المؤتمر الوطني على مقاليد الحكم وكل مفاصل السلطة والثروة ووضعها في خدمة نظام الرأسمالية الطفيلية، أدى إلى عجزه التام عن إدارة البلاد. وانحيازه لتنمية وحماية المصالح الطبقية لتلك الفئة على حساب الوطن والأغلبية الساحقة من المواطنين.

* هذه السياسات  قادت البلاد لتصبح بؤرة للفساد المستشري، نتيجة سياساته الاقتصادية، وعلى رأسها  الخصخصة لجميع مؤسسات الدولة الزراعية والصناعية والخدمية حتى الرابح منها، وتجنيب الأموال، وسرقة مال الحج والعمرة والزكاة وعائدات الأوقاف داخل السودان وخارجه.. وبهذا فقدت البلاد قمم الاقتصاد التي كانت تدرّ العملة الأجنبية من عائدات التصدير.

* النظام الحاكم بحكم طبيعته الطبقية الطفيلية لن يغير من سياساته، ولن يتنازل عن الاستحواذ الكامل على السلطة والثروة.. وهو لأجل التمكين لنفسه من البقاء في السلطة يتحالف مع أنظمة البترودولار في العالم العربي والإسلامي، وينصّب نفسه وكيلاً للإمبريالية ولخدمة المصالح المباشرة لها، انصياعاً لأوامر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

* ذهبت الدورة إلى أبعد من تلك المؤشرات، وهي تلامس معاناة النظام من داخله والصراعات التي بدأت تنخر كالسوس في عظامه، صراعات امتدت إلى قمة معظم الولايات، بل دخلت أهم مؤسسات حمايته مثل الجيش والأمن، واتهمت مجموعة قائدة ومتنفذة فيها بالقيام بانقلاب عسكري ضد النظام. وقامت مجموعة في قمة قيادته بما سمته المعركة من أجل الإصلاح بقيادة 31 عضواً. بينهم أعضاء في المجلس الوطني، وعلى رأسهم رئيس كتلة نواب المؤتمر الوطني وغيرهم، برفع مذكرة احتجاج على سياسات النظام.. وهذا عامل هام من عوامل نضوج الأزمة.

من كل تلك الملامسة والدراسة للواقع السياسي توصلت الدورة إلى أن الحل يكمن في إسقاط النظام، بالعمل الدؤوب والمثابر لتكوين أوسع جبهة ممكنة ضد النظام.

مهمة الحزب الشيوعي تكمن أساساً في إنضاج العامل الذاتي، للانتقال من مرحلة السخط الجماهيري إلى تصعيده، والتحرك به ومعه إلى الأمام، بالعمل المثابر مع الجماهير في النضال اليومي عبر قضاياها المختلفة. هذا هو الذي يصل بنا إلى التكتيك السليم بتكوين الجبهة الواسعة التي تسقط النظام.

من المهم كذلك أن لانغفل في خضمّ المعركة الأساليب المخادعة للسلطة التي تتوسل بها لشق صفوف المعارضة وتشتيت وحدتها، وأن نكون منتبهين أيضاً إلى ممارسات الاتجاهات اليمينية التي تسعى للمصالحة مع النظام، تحت ستار التفاوض معه لمصلحة البلاد (المستهدفة) وغيرها من الأساليب التي لا تفضي إلا إلى تشتيت جبهة المعارضة وإرباك الشعب.. وكلاهما يصب في تمديد عمر النظام.

التظاهرات الجماهيرية  التي اندلعت في معظم مدن أقاليم السودان شملت أحياءه وقراه وكل فئاته الاجتماعية، رجالاً ونساء شيباً وشباباً، ضد الزيادة في أسعار المحروقات ومعظم السلع الضرورية، هي ثمرة لتراكم نضال تواصل بصبر ومثابرة خلال ربع قرن من الزمان، ركز على فضح النظام وكشفه وتعريته.. وعمل بصبر لتوعية الجماهير بخطل سياساته وعدم مقدرته على إدارة شؤون البلاد ورفع المعاناة عن الشعب.. بل تسبب في تعميق معاناته وفقره.

ولهذا فإن تلك المظاهرات العارمة هزت ساكن الحياة في كل أنحاء البلاد، وكسرت حاجز الخوف والتهيب، بمواجهتها دون خوف أو وجل الغاز المسيل للدموع، والضرب بالعصيّ الكهربائية والقتل الفردي والجماعي بالرصاص الحي الذي وصل شهداؤه إلى أكثر من مئتين وخمسين مواطناً ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين.

ما يميز تلك المظاهرات هو الدور البارز والشجاع للنساء، خاصة الشابات منهن، والشباب الذين كانوا الهدف الأول لرصاص قناصة النظام.

كذلك أدخلت الرعب في قلب النظام الذي فَقَدَ السيطرة الكلية على احتوائها إلا بعد أن قام بأعمال التخريب الواسعة، كحرق محطات البنزين وبعض المتاجر والأسواق وحتى بعض دور العبادة من الزوايا وكنائس الأحياء، ليبرر ضربه المفرط للمتظاهرين، واعتقال مئات النشطاء تحت ستار وقف التخريب وتأمين حياة المواطنين.

كما انتقدت الدورة مواضع القصور والسلبيات والإيجابيات في عمل الحزب، وقدمت الحلول المناسبة التي تساعد في الاستفادة من التجربة بكل جوانبها.

* إن التضامن الذي قامت به العديد من الأحزاب الشيوعية والاشتراكية والعمالية والديمقراطية في العديد من دول العالم مع شعب السودان، أحدث هزة عنيفة للضمير العالمي، وأدى دفعة قوية لنضال الجماهير.. وكف يد النظام عن القمع المفرط والقتل.

هذا الدور يجب أن يكون في مقدمة واجبات مكتب العلاقات الخارجية الذي كثف نضاله في تلك الفترة العصيبة، وبالقدر نفسه، إن لم يكن أكبر، من فروع حزبنا الموجودة في مختلف بقاع العالم.

* العوامل السلبية التي أشرنا إليها لم تقلل من الدور الفعال للجماهير، التي تخطت معظمها قياداتها وقادة نقاباتها الموالية للسلطة، وخرجت إلى الشارع متحدية الرصاص الحي والقتل الجماعي والاعتقال والتعذيب. التقليل من هذا الموقف مثبط لنضال الجماهير، بل إنه يصب في دعاية السلطة التي تتحدث عن الشراذم أو القلة من المواطنين التي خرجت إلى الشارع، بدفع من الحزب الشيوعي.

إن الهبة العنيفة التي أحدثها شعب السودان استطاعت أن تهز النظام وتخلخل قاعدته الاجتماعية وعمقت من أزمته. أكثر من ذلك فإن الذي حدث يباعد بين النظام وجماهير شعب السودان، ليس عبر المعاناة من الزيادات في أسعار كل السلع الضرورية فحسب، بل مساحات شاسعة مخضبة بالدماء وأجساد الشهداء والمفقودين الذين لايعلم أهلهم عنهم شيئاً.

أصبح من العسير على أي حزب أن يناقش أو يحاور مثل هذا النظام، المضرجة يده بدماء الشهداء.. وكل من يفعل ذلك ستلاحقه لعنة الشعب طوال تاريخه.

الهبة التي قام بها شعب السودان تمثل حلقة في سلسلة النضالات التي لم تنقطع منذ استيلاء النظام القسري على السلطة، وستتوالى حتماً حتى إسقاطه.

 

مهام عملنا في الفترة القادمة

* أولاً- استراتيجية حزبنا هي إسقاط هذا النظام.

* ثانياً – تكتيكنا هو الجبهة الواسعة التي تتكون عبر النضال اليومي مع الجماهير في قضاياها المختلفة، وتصعيد هذا النضال والمحافظة على ما توصلت إليه الجماهير من مزج بين القضايا المطلبية والسياسية.. وهذا يستوجب المحافظة على شعارات الانتفاضة وما قدمته من طرح متقدم.

* ثالثاً- المحافظة على قوى الإجماع الوطني ووحدتها وما توافقت عليه من وثائق: البديل الديمقراطي، والدستور الانتقالي، وأن ينشط عملها اليومي كمنبر قائد لنضال الجماهير.

* رابعاً- أدواتنا لإسقاط النظام هي: العصيان المدني والإضراب السياسي الذي نظل نطرحه كأفق تمسك به حركة الجماهير ويمنحها الثقة بأن هباتها وتظاهراتها تسير نحو هدف محدد تعمل من أجله، حتى إسقاط النظام لحظة إعلانه وتنفيذه.

* خامساً- الاستعداد بكل ما يحمي انتفاضة الجماهير من الانكسار، ومن بينها كشف وتعرية أعداء الانتفاضة وإسقاط النظام بكل الحجج والأساليب، مثل وضع ميثاق جديد، وضم منظمات الإسلام السياسي لقوى الإجماع أو إعادة الهيكلة.. إلخ.

* سادساً- تكوين لجان للتضامن بصورة دائمة، لمساعدة أسر المعتقلين والسجناء السياسيين والشهداء، فالمعركة ما زالت مستمرة ويجب الاستعداد المبكر لمواصلة هذا التضامن الإنساني الهام.

أخيراً من المهم أن نكرر أن الثورة لا تسير في طريق مستقيم كالقطار، بل تتعرض – لأسباب موضوعية وذاتية- للصعود والهبوط، ولهذا فهي تسير في منعرجات مختلفة حتى تحين لحظة الانفجار.

الظروف الموضوعية، كما أوضحنا سابقاً التي دفعت بالجماهير إلى الشارع مازالت قائمة، وكما ذكرنا تزداد تفاقماً، وليس بمقدور النظام الخروج من الضائقة والمشاكل التي تحيط به.

اللجنة المركزية

للحزب الشيوعي السوداني

8/11/2013

العدد 1104 - 24/4/2024