السوريون يصبرون لكنهم لن يفرطوا بوطنهم

أكذوبة السلاح الكيميائي لن تنطلي على أحد  تفاؤل حذر بترجيح المساعي السياسية لحل الأزمة

الإرهاب يطول المواد الأساسية للمواطن والحكومة مطالبة بتأمينها بالسرعة الممكنة

 

يتساءل السوريون بحسرة: إلى متى؟

فهم يرون بلادهم قد تحولت إلى مايشبه سورية ماقبل الإعصار، لكن سواداً داكناً صبغ سماءها الصافية، أما منازلها الموزعة في مدن السهول والشواطئ والجبال فقد تهدم الكثير منها، والقائم منها فقد ألوانه الزاهية، وقبع حزيناً.. خاوياً بعد هجرة ساكنيه قسراً. وهاهم أولاء يخضعون لحصار ظالم طال لقمة عيشهم، وغذاء أطفالهم ودواءهم ودفأهم، تقوده الإمبريالية الأمريكية الباحثة عن خريطة جديدة لشرق أوسط جديد، تسقط منها أي نظام مقاوم لهيمنتها على العالم بأسره.

اختلف السوريون في الماضي كثيراً، لكنهم رفضوا على اختلاف تنوعهم السياسي والاجتماعي والديني، التضحية باستقرار بلادهم وسلامة شعبهم من أجل ترجيح موقف هذا، وخذلان موقف ذاك، فالوطن يستوعب الجميع، والنسيج السوري المتعدد.. المتنوع.. المتآلف، كان بيضة القبان في مقاومة سورية لعواصف حاولت أخذها بعيداً عن ثوابتها الوطنية.

لايطيق أحد من السوريين استئثار فئة ما.. حزب ما بمقاليد السلطة، لكنهم جميعهم يحبون سورية، لذلك كانت استجابة فئاتهم المختلفة كبيرة لمبدأ الحوار والتوافق والتغيير السلمي لأوضاعهم السياسية والاجتماعية، وهذه الاستجابة، وهذه الحماسة للتغيير فعلتا فعلهما، لا في أوساط الجماهير الشعبية فقط، بل في أوساط بعض من توهموا أن باستطاعتهم احتواء الاحتقان.. واستمرار تجاهلهم للمطالب المشروعة لهذه الجماهير. وهكذا بدأت مرحلة سقوط الأوهام.. واستبشر المواطنون بمرحلة انتقالية تمهد لسورية الديمقراطية الجديدة، خاصة بعد أن صدرت بعض القوانين التي، وإن كانت لاتلبي طموح الجميع، لكنها تعد بمقاييس التغيير قاعدة لانطلاقة شاملة. فالشعب السوري أراد التغيير السلمي الحضاري باتجاه الديمقراطية والعلمانية، بعد أن هاله ماخُطط.. وما نُفذ على يد الأمريكيين وشركائهم الأوربيين والخليجيين في ليبيا، وما يُعد له في مطابخ السياسة الأمريكية العثمانية الجديدة من سيناريوهات في مصر وسورية وفلسطين ولبنان.

أين كان هذا الحقد مختبئاً؟مَن سرّبه إلى نفوس نفر من السوريين؟كيف صار القتل هواية.. بل مهنة لمن كانوا يرفعون شعارات سياسية واجتماعية؟ وكيف اقتنع البعض بأن الأكثرية والأقلية.. الشرعية وفقدانها، مصالح السوريين ومنغصاتهم، تحددها بوصلة الخارج.. وحقد البعض في الداخل؟!وهل صدّق هؤلاء أن حصار سورية، واستحضار التدخل العسكري الأجنبي، وتصعيد معاناة فئات الشعب السوري هي المفتاح (لديمقراطيتهم)، التي نشهد الآن عن كثب تجلياتها في مصر وتونس؟!

يحاولون الآن عرقلة الجهود السياسية التي تبذل لحل المسألة السورية، فالإبراهيمي متحيز، وروسيا عدوة، ووثيقة جنيف لاتتضمن التدخل العسكري المباشر، وفئات الشعب السوري لاتعرف مصلحتها!هم فقط المختارون لإنقاذ البلاد! -أما من اختارهم، فهذا سؤال يخجلون من الإجابة عنه- لذلك اخترعوا الخطر(الكيميائي)، وربما يخترعون بعده الخطر(الذري)،لتقويض الجهود السلمية، وتسويغ التدخل العسكري المباشر، وتقويض ما عجزت عن تقويضه مجموعاتهم الإرهابية.

لقد عرف شعبنا في الماضي، ويعرف اليوم، طريقه إلى نيل المطالب السياسية والاجتماعية، وهو لا يحتاج إلى وصايا الخارج.. وتدخلات الخارج، ونقول لهؤلاء المدّعين تمثيل الشعب السوري: كفى خداعاً ومخاتلة، فلن يصدق أحد غيرتكم (المسرحية) على حرية مواطننا و حقوقه الديمقراطية وأنتم تستقدمون( الجهاديين) من كل المغاور المظلمة ليرتكبوا المجازر التي لم يعرف التاريخ الحديث مثيلاً لها.

أكدنا سابقاً، ونؤكد اليوم أن السبيل الوحيد الآمن لمعالجة الأزمة في البلاد، والرد على مخططات الخارج الساعية إلى تدمير سورية الدولة والموقف، هو الحوار الجدي المفتوح، هو اللقاء بين أطياف متساوية، دون أحقاد قديمة، ودون شروط تعجيزية، في وقت يتطلب التنازل من جميع الأطراف بهدف صون وحدة الوطن وكرامة الشعب.

 إلى متى؟ إنه السؤال الذي يلح بحرقة على ألسنة المواطنين الخائفين على بلادهم، المهجرين من مدنهم وقراهم، الباحثين عن الخبز والدواء والدفء.

 سؤال موجه إلى جميع (اللاعبين) في الداخل والخارج.إن إرادة الحياة.. والتفاؤل بمستقبل جديد، تدفعهم إلى الصبر والتضحية، بل إلى نكران الذات من أجل سورية الديمقراطية المعادية للاستعمار والإمبريالية، ويطالبون الجميع التضحية بالمصالح الضيقة.

العدد 1105 - 01/5/2024