المستلزمات المدرسية تثقل كاهل الأسرة هذا العام؟!

إن شهر أيلول على الدوام هو عامل ضغط مادي على الأسرة، لتزامن قدومه مع افتتاح المدارس وإعداد مونة الشتاء التي لا تقف عند المكدوس والزيتون والمربيات، بل ووقود التدفئة الذي بات يحتاج إلى ميزانية خاصة. فكيف سيتدبّر المواطن أمره في ظل هذه الأزمة التي بلغ الغلاء فيها درجة مرعبة، بات تأمين مستلزمات المدرسة وحدها يتطلب، لأسرة مكونة من ثلاثة أولاد دون الجامعة، بحدود خمسين ألف ليرة سورية، بعد أن تضاعفت أسعار تلك المستلزمات أضعافاً مضاعفة مقارنة بالعام الفائت، بسبب تحكّم التجار في آليات تسعيرها، دون اكتراث بأي اعتبار أخلاقي أو قانوني يراعي ظروف المواطن المعيشية الصعبة، مستغلين ضعف أدوات الرقابة التموينية؟

البعض يرى أن سبب ارتفاع سعر الصرف أدى إلى جنون أسعار هذه المواد، إضافة إلى خروج بعض المعامل المنتجة لهذه السلع من الخدمة. وقد أدى ذلك لاختلال التوازن بين العرض والطلب والتأثير حكماً في ارتفاع أسعار هذه المنتجات التي تباينت بين محل وآخر في المنطقة ذاتها.. وعن هذا الموضوع التقينا عدداً من المواطنين والباعة، وسألناهم عن رأيهم بالموضوع:

أحد باعة القرطاسية في منطقة الدريكيش رأى أن تباين أسعار القرطاسية ناجم عن شراء البضاعة بسعر قديم وجديد، علماً بأن غلاء هذه المنتجات لم يؤثر فقط في المستهلكين، وإنما في الباعة أيضاً، بينما ينعم التجار الكبار بالربح الوفير. فاليوم انخفض حجم المبيعات بنسبة كبيرة بعد إعراض الزبن عن الشراء، لمجرد سماع الأسعار، أو قد يكتفي المواطن بشراء أقل من حاجته، على أمل أن تُخفّض مستقبلاً مع عدم قدرته على إخفاء علامات الدهشة والانزعاج على وجهه!

صاحب محل ألبسة في سوق شعبي بصافيتا يبيع الصداري المدرسية فقط، يرى أن سبب الغلاء الكبير يعود إلى عدم وجود معروض كاف، بعد إغلاق منشآت كثيرة بسبب تخريبها، علماً بأن المعروض حالياً كان مخزناً في المستودعات، لكن التاجر لا يمكن أن يبيعه بأسعار العام الفائت بغية تأمين رأسمال لشراء البضاعة الجديدة، من دون نكران وجود مبالغات سعرية يقوم بها بعض تجار الأزمات على حساب المستهلك المتضرر الأول من هذا الواقع، ولاسيما أن بعض العائلات تضم أكثر من تلميذ بين أفرادها.

 

أسعار مضاعفة

رصدنا في جولتنا بمحافظة طرطوس واقع أسعار القرطاسية والمستلزمات المدرسية، فلاحظنا أن أسعار هذه المنتجات من الصداري والبدلات والقرطاسية ارتفعت بنسبة تراوحت بين 200و300% تقريباً، فمثلاً بلغ سعر الصدرية بين 650و1100 ليرة، والبدلة للمرحلتين الإعدادية والثانوية بين 5500 و6500 ليرة، وسعر القلم الناشف العادي 40 و50 ليرة، وقلم الرصاص العادي 30- 35 ليرة، وقلم الرصاص الكبس بحدود 175 ليرة. بينما بلغ سعر الدفتر العادي المؤلف من 70 صفحة 100 ليرة، والدفتر السلك (70 صفحة) بين 150و175 ليرة، ودفتر سلك (80 صفحة) بين 200و225 ليرة. في حين سجلت أسعار الأحذية البناتية والصبيانية من قياس كبير بين 1500و4000 ليرة، والأحذية الولادية بين 900و2000 ليرة، بينما بلغ سعر الحقيبة المدرسية الكبيرة بين 1200و2000 ليرة، والقياس الصغير بين 800 و1000 ليرة.

 

الفرق كبير

السيد أحمد نور الدين من صافيتا، صاحب مكتبة إيلين، يتحدث عن الفروق الكبيرة جداً بين أسعار العام الماضي وهذا العام.. فمثلاً كنا نشتري قلم lixe بحدود 10 ليرات ونبيعه ب 15 ليرة أما العام الحالي فقد اشتريناه بمبلغ 30 ليرة ونبيعه ب40 ليرة، أي أن السعر يعادل ثلاثة أضعاف. أما بالنسبة للورق فالماعون الذي كنا نشتريه بمبلغ 250 ليرة أصبح الآن ب900 – 1000 ليرة، وهذا ينسحب على أجور التصوير أيضاً. وهنا لا بدّ من المرور على سعر الحبر إذ كانت محابر آلات التصوير ب4000 ليرة، أما اليوم فهي ب 15 ألف ليرة.

أسعار الدفاتر حدّث ولا حرج، وكما تعلم فإن الأسعار تتذبذب حسب نوع الورق، وقد يستغل ضعاف النفوس حاجة المواطن وعدم خبرته أيضاً.. فعلى سبيل المثال الدفاتر 200 ورقة نوع هارد، كنا نبيعه ب 165 ليرة واليوم ب 400 ليرة، أما الدفاتر العادية (الهاشمية) فكانت بحدود 65 ليرة، والآن ب 125 ليرة، أما أسعار علب التلوين بيلي كانس، فكنا نبيعها ب 100 ليرة، واليوم أصبحت ب 300 – 350 ليرة، والورق اللاصق كنا نشتري المتر منه ب 20 ليرة واليوم سعر المتر بحدود 105 ليرات. وعموماً يجب أن نضرب سعر العام الماضي ب 4 كي نحافظ على استمرارنا بالعمل وعدم الخسارة، لأنك تعلم أن لا أحد يقبل أن يعمل بخسارة.

 

ما باليد حيلة

السيد حاتم داود (موظف) يقول: تضم أسرتي بين أفرادها ثلاثة تلاميذ في مراحل دراسية مختلفة، يحتاج تأمين القرطاسية والأحذية لهم فقط أكثر من خمسة عشر ألف ليرة، بينما تطلبت تغطية النواقص من الألبسة والحقائب عشرة آلاف ليرة تقريباً، علماً بأن شراءها كاملةً كان سيستلزم ضعفَيْ هذا الرقم، مع الإشارة إلى أن أولادي لم يألفوا هذا الوضع مسبقاً، لكنهم تقبلوه بعد أن فرض الواقع كلمته على حياتنا، وما باليد حيلة لتغييره.

وأكدت رزان سلمان (عاملة في محل خاص) لجوءها منذ نهاية العام الدراسي الفائت إلى شراء بعض المستلزمات المدرسية وتوفير بعض النقود لتأمين حاجات أبنائها، لكن المبلغ المدخر التهمه الغلاء فلم يعد يكفي لشراء بعضها حتى مع قرار وزارة التربية التي أبدت تحفظها عليه، لأنه سيتيح للتلاميذ التصرف على هواهم من دون أي ضوابط، مع التخوف من تأثيراته النفسية والاجتماعية الناجمة عن تفاوت المستوى المعيشي للتلاميذ.

وتؤكد أم إبراهيم (ربة منزل) أن غلاء مستلزمات المدرسة يزيد من هموم الأسرة المعيشية، في ظل تآكل قيمة الدخل الشهري، لكن هذا الواقع لا يعني أبداً التفريط بمستقبل أبنائي وعدم إكمال تعليمهم. توافقها الرأي سميرة (معلمة) فتقول: إن ما يهمني في الدرجة الأولى هو حصول أولادي على التعليم المناسب، ولاسيما أن الأسرة مضطرة للتأقلم ومحاولة التكيف مع الظرف القائم، مع الأخذ بالحسبان أن موجة الغلاء حالة طارئة مرهونة بانتهاء الأزمة التي تركت تداعيات سلبية كبيرة على المجتمع في مختلف المجالات وليس على القطاع التربوي فقط.

 

قرار وزاري.. ولكن

الأستاذ رجب محمد (مدير مدرسة) تحدّث عن الغلاء الذي طرأ على مستلزمات العملية التدريسية بالقول: الأسعار مرتفعة جداً هذا العام، وأنا أب لخمسة أولاد في المدرسة ومدير مدرسة.. أقول: أحتاج إلى أكثر من 20 ألف ليرة ثمن دفاتر، وأحتاج إلى 30 ألف ليرة ثمناً للبدلات، ناهيك بثمن الأحذية وألبسة الرياضة وغيرها وهي بحدود 30 – 40 ألف ليرة. الوزارة أصدرت تعليمات بعدم التدقيق في مجال اللباس المدرسي، وهذا يحتاج إلى ضوابط وتعاون وقراءة بين المدرسة والأهل، علماً أنني غير راضٍ عن التعاون بين المدرسة والأهل.. إن قراراً كهذا سيترك تفاوتاً بين التلاميذ.. اللباس الموحد يقضي على الفروق بين التلاميذ ويساوي بينهم.. مع تنامي الفجور الأخلاقي والغزو بأشكاله المختلفة قد نجد من يحرص على إرسال أولاده كل يوم بلباس جديد ومتميز، وهذا سيترك عواقب سلبية بين التلاميذ.

يجب إعطاء صلاحيات للجهاز الإداري في المدارس، وطبعاً مع الابتعاد عن الأهواء الشخصية.. باتت المدرسة صدى للشارع وليس العكس، وقسم من المدرسين لا علاقة لهم بالعملية التربوية والتدريسية.. مع وجود الأزمة وخروج عدد من المنشآت الصناعية عن العمل باتت الدولة عاجزة عن تأمين مستلزمات المدرسة.. الحكومات السابقة كانت تعي أنها في الطريق إلى أزمة ولكنها بقيت عاجزة عن فعل أي شيء.. لماذا لا تُفعّل المعلوماتية للتقليل من استهلاك الورق.. الأستاذ رجب محمد اختتم حديثه بالقول: أتمنى أن ينقضي هذا العام الدراسي على خير، وأن تخرج سورية منتصرة في هذه الحرب الكونية.

 

تدخّل خجول ولكن

حاولت وزارة التجارة الداخلية التدخل عبر تفعيل مؤسسات التدخل الإيجابي، ومن ضمنها مؤسسة سندس التي كان لها دور كبير سابق، ويجب أن يكون لها فعالية أكبر في هذه المرحلة بتكريس طاقاتها وموظفيها ومنافذها بغية حشد أكبر كمية من الأصناف السلعية المختلفة، إضافة إلى المواد المدرجة ضمن إطار عملها، بهدف إغراق السوق بما يضمن إرساء المنافسة وتخفيض أسعار هذه المنتجات، من ضمنها المستلزمات المدرسية، في ظل ارتفاعها الكبير، فمن خلال إعداد الوزارة دراسة حول تكاليف إنتاج الألبسة المدرسية بقصد معرفة تكاليفها بدقة تبين أن أسعارها قد ارتفعت ارتفاعاً كبيراً في الأسواق، حتى وصل سعر البدلة المدرسية إلى 7000-8000 ليرة، لذا قامت مؤسسة سندس بطرح هذه المنتجات في صالاتها (مع ملاحظة النوعية) بسعر أقل من السوق تطبيقاً لمفهوم التدخل الإيجابي، علماً أن المواطن كان يتمنى أن لا تكتفي سندس بالتدخل لجهة البدلة المدرسية فقط، إذ إن أسعار القرطاسية كاوية، وعلى أمل أن نرى الدفاتر والحقائب والأحذية أيضاً في صالاتها.

 

قبل أن نفترق

بات المواطن يستلقي على ظهره وعيناه شاخصتان إلى السماء علّه يرمق بارقة أمل تكون البداية الأولى للعودة إلى حالة الأمن والأمان التي كان ينعم بها قبل الأزمة، والتي بات واضحاً أن ثمنها يفوق كثيراً كل مستلزمات العيش الأساسية.. فهل من صحوة ضمير من الجميع رأفة بالبلاد والعباد؟!

العدد 1105 - 01/5/2024