إبراهيم قندور.. وداعاً!

 

لم أصدق، بداية الأمر، الخبر بأن الرفيق الدكتور إبراهيم قندور قُنص وزوجته في (النبك)، حتى قرأت ذلك في جريدة (النور)، وبعد ذلك قمت بالاتصال بالجريدة فأكدوا لي نبأ استشهاده.

هكذا، بكل بساطة يُقتل الناس في بلدنا بدم بارد، ويصبحون مجرد أرقام في لعبة الموت المدمرة التي تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج، ورأس حربتها السعودية وقطر وتركيا.. فالعصابات الإرهابية التكفيرية المجرمة تحصد أرواح الناس بأبشع وأشنع الطرق، ولا تفرق بين شيخ كبير أو طفل صغير، دكتوراً أو طالباً، عاملاً كان أم برجوازياً، فلاحاً أو إقطاعياً، رجلاً أم امرأةً، شيوعياً أو بعثياً أو من أي حزب كان أم حيادياً، مسلماً أم مسيحياً، موالياً كان أم معارضاً وطنياً، لا فرق عندهم، المهم القتل ولا شيء غير القتل.

لقد عرفت الرفيق إبراهيم قندور منذ عام ،1988 عندما قرر الحزب إيفادي إلى موسكو للدراسة، فكان هو المكلف من قيادة الحزب بمتابعة شؤون الرفاق الطلاب الذين سيدرسون على حساب الحزب الشيوعي السوري خارج القطر.. فهو جهز لنا كل الأوراق وجهز لنا الاجتماع الاعتيادي في مثل هذه الحالات مع قيادة الحزب ومع الرفيق يوسف فيصل، وبعد ذلك اجتمع معنا كلٍّ على حدة، وطلب منا أن نمثل الحزب بشكل جيد، وأن نهتم بدراستنا ونعود مباشرة إلى الوطن.

عندما كان الرفيق إبراهيم يتكلم، كنت أتأمله وأصغي إليه بكل اهتمام، وتخيلته (كأني مع الرفيق ستالين أو مع أحد أبطال رواية (البؤساء) لفيكتور هيغو، لأنه كان عابس الوجه مقطب الحاجبين، جدّياً جداً. وقد حفظت كلامه عن ظهر قلب (من سينتظرني في المطار.. ماذا عليّ أن أفعل؟ مَنْ من الرفاق سينتظرني.. إلخ)، فتربيتي الشيوعية علمتني الانضباط الحزبي الحديدي.. هذا كان اللقاء الأول والانطباع الأول عنه، لكن هذا الانطباع زال بتقربي من الرفيق إبراهيم، وخاصة عندما عملنا معاً في مكتب الشباب والطلاب المركزي في الحزب، فأصبحت أعرفه جيداً، وفهمته أكثر وعرفت طباعه، فتبين لي أنه رفيق وديع، عطوف يفيض بالمشاعر والأحاسيس، كان شيوعياً صلباً وعنيداً، فعرفت فيه الصدق والإخلاص والوفاء لمبادئ حزبنا الشيوعي السوري.. فلقد عاش عيشة شيوعية بسيطة، أكسبه سلوكه وأخلاقه سمعة حسنة بين رفاقه وجيرانه، فقد أكد لي مرة أحد جيرانه الذي يعمل في اتحاد شبيبة الثورة قائلاً: (رفيقكم الدكتور إبراهيم، رجل رائع، شريف، عفيف، معروف على مستوى البلدة بأنه شيوعي مخضرم ونظيف..).

لقد عاش الرفيق الدكتور إبراهيم قندور شيوعياً فقيراً، ومات شيوعياً غنياً بالشهادة.. لقد جسد مقولة نيقولاي أوستروفسكي، فهو لم يشعر بندم معذب على السنين التي عاشها، ولم يلسعه العار على ماضٍ رذل تافه، بل كان يقول وهو يحتضر: كانت كل حياتي، كل قواي مرهونة لأروع شيء في العالم، النضال في سبيل تحرير الإنسانية.

سنذكرك دائماً أيها الرفيق الحزين البائس،الشهيد الدكتور إبراهيم قندور.. لقد انضممت إلى قافلة الشهداء الذين رووا بدمائهم تراب سورية، لتبقى علمانية أبية ترفض الذل والهوان ولا تسمح لقطعان الإرهاب التكفيري أن يدنسوا أرض سورية الحبيبة، ولا أن ينالوا من وحدتنا الوطنية.

المجد والخلود لشهداء سورية الأبرار من مدنيين وعسكريين!

المجد والخلود لشهيدنا، شهيد حزبنا الشيوعي السوري الموحد، إبراهيم قندور!

 

العدد 1105 - 01/5/2024