من الصحافة العربية العدد 606

سقوط (الإخوان) هو الإنجاز الأكبر

 يعكس الوضع في مصر منذ مئات السنين الوضع في الوطن العربي، بل الحقيقة هي أيضاً أن الوضع في الوطن العربي يعكس الوضع في مصر طوال هذه الفترة التاريخية الطويلة.

إنما الحقيقة الصارخة في أيامنا هذه أن كلا الانعكاسين يتحقق الآن بصورة ربما لم يسبق لها مثيل منذ البداية.

وحتى لا نبقى في إطار التجريد للحقائق التاريخية، يمكننا التأكيد أن أحداث مصر الأخيرة التي تدور فيها الحرب ضد تنظيم (الإخوان المسلمين) تمثل انعكاساً أو بداية لأحداث الوطن العربي، حيث تدور دائرة الصراع ضد (الإخوان). فمن الواضح منذ الآن أن الهزيمة التي بدأت تلحق ب(الإخوان) في مصر هي في الوقت نفسه بداية لهزيمة هذا التنظيم في الوطن العربي. وليس خافياً أن (الإخوان) يدركون هذه الحقيقة عن بداية نهايتهم، بدليل أنهم يتمركزون الآن خارج الوطن العربي في بلدان غربية.. في الولايات المتحدة وفي أوربا حيث لا مستقبل لهم.

لقد كشفت الأحداث وفضحت تبعياتهم وعمالاتهم الخارجية كما لم تكن مكشوفة من قبل. ونعني بتعبير (من قبل) هنا قبل أن يصعدوا إلى السلطة في مصر، وهو أول صعود لهم إليها في الوطن العربي. و(الإخوان) لم يسبق لهم أن سعوا إلى السلطة في أي من البلدان العربية، ولا حتى في أي من البلدان في العالم الإسلامي. وعندما لاح أن الصعود إلى السلطة ممكن في مصر بدا لهم أن الصعود إلى السلطة ممكن في أي من بلدان الوطن العربي، وهم مع ذلك لم يلوحوا بمحاولة الصعود إليها في العالم الإسلامي.

ولا يعدو ما يجري من صدام في مصر بين (الإخوان) وأضدادهم أن يكون دليلاً على إصرارهم على التمسك بالسلطة، بصرف النظر عن طبيعة معتقداتهم الدينية والعقائدية، والتناقض الحاد بينها وبين الواقع التاريخي والسياسي والثقافي في مصر على وجه التحديد. ولا يمكن العبور على هذه النقطة بشأن الصراع (الإخواني) في مصر من دون تأكيد الوجه الآخر للحقيقة، وهو أن الأحداث الأخيرة التي لعب فيها (الإخوان)، ولا يزالون يحاولون أن يلعبوا، دور الطرف المقاوم للسلطة القائمة، كشفت فعلياً ما لم يكن مكشوفاً من قبل، وهو أن الولايات المتحدة تدعم (الإخوان) وتنظيمهم ونشاطهم بكل أساليب الدعم وتكاليفه، فضلاً عن التأييد السياسي والمعنوي، وهو أمر لم يكن ملحوظاً من قبل لا على السلوك (الإخواني) ولا على السلوك الأمريكي الرسمي.

وفي هذا الإطار فإن الثمن الذي دفعناه حتى الآن لكشف (الإخوان) لا يتجاوز الحدود المقبولة في صدام من هذا النوع مع تنظيم له حجم تنظيم (الإخوان)، خاصة مع امتداد العمر به منذ نشأته الأولى قبل 85 عاماً. مع ذلك لا بد من أن نأخذ بالحسبان عند بحث هذه النقطة أن الصراع ضد (الإخوان) في مصر قد كلف المصريين مئات الأرواح، وهو ثمن باهظ بكل المعاني والمعايير. إنما نعود فنؤكد أن الصراع الذي خاضته مصر ضد (الإخوان) كان له حتى الآن فائدة كبرى هي أنه كشف كل الأقنعة التي اختبأ وراءها هذا التنظيم، وبضمن ذلك ضعف قدراته وضعف تأثيره، في غياب تقدير سليم من جانب (الإخوان) وقياداتهم لحجم التأييد الذي يلقونه من الجماهير الشعبية المصرية. فضلاً عن أن الصراع ضد (الإخوان) في مصر استطاع حتى الآن أن يكشف الكثير عن التنظيم الدولي، الذي لا يعدو أن يكون التنظيم الخارجي للجماعة. فإن صفة الدولي تبدو فضفاضة عليه من جميع النواحي. إن ما تكشّف من أسرار (الإخوان) نتيجة للصراع في مصر لا يخص (إخوان) مصر وحدهم، إنما يشمل (الإخوان) حيثما كانوا، ابتداءً من وجودهم في التنظيمات الفلسطينية (غزة بصفة خاصة) بحكم العلاقة الوثيقة مع مصر وبحكم دور غزة في القضية الفلسطينية، وهو دور تحول من هذه القضية الوطنية البالغة الأهمية إلى قضية (الإخوان) ودورهم.

وإذا ما تحولنا إلى تقييم دور مصر في زعزعة موقف (الإخوان) ومركزهم، إلى درجة حولتهم إلى جماعات صغيرة تثير القلاقل في شوارع المدن المصرية، فإننا نتبين بلا عناء أن (الإخوان) قد سقطوا. كما نتبين أن سقوط (الإخوان)  وهو حقيقة واقعة  إنما يُعدّ الإنجاز الأكبر للثورة المصرية حتى الآن. وصحيح أن هذه الثورة مستمرة في أداء دورها، ولكن الصدام مع (الإخوان) عطّل بعض مسيراتها. لقد أخذ من اهتمام القوى الحاكمة، وليست كلها ثورية، نصيباً لا يمكن الاستهانة به. كما لا يمكن الاستهانة بالدور الأمريكي في دعمه، على الرغم من التراجعات الملموسة التي أظهرها الموقف الأمريكي خلال الأسابيع الأخيرة. وليس بالإمكان النظر بعين الشك إلى التقارب المصري – الروسي، والتقدير الموضوعي لأهميته باعتباره مواجهة اعتبرتها السلطة المصرية الحاكمة ضرورية لإفقاد الولايات المتحدة شعورها بأنها الطرف الأوحد الدولي المؤثر على المنطقة ومصر بصفة خاصة. وذلك من دون حاجة تفتقد إلى التبرير للنيل من العلاقات المصرية – الأمريكية في الجوانب المستمرة منها، وهو ما لم يطلبه القادة الروس كمقابل أو كشرط لدعم العلاقات مع مصر.

فإذا ما اعتبرنا أن سقوط (الإخوان) – بصفة خاصة كتنظيم سياسي مسلح ومدرب  هو الإنجاز الأكبر للثورة المصرية، خاصة في تجلياتها السياسية الرامية إلى تحقيق الاستقرار اللازم لمواصلة طريق الثورة والديمقراطية، وهو طريق الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاستراتيجية أيضاً، فهل نعتقد أن الثورة تقف عند هذا الحد بانتظار أن تخلو أجواء مصر السياسية من العوائق والعقبات التي لا بد من اعتبار (الإخوان) الخالقين الأساسيين لها في طريق الثورة، أي في طريق عدوهم الرئيسي.

إن التوقف بالثورة عند هذا الحد هو مطلب (الإخوان)، ويعتبرون أنه طريقهم الوحيد إلى السلطة. ولا بد عندما نقول هذا أن نؤكد أنه اعتقاد (الإخوان) وليس فقط مطلبهم. ولهذا فإنهم لم يخوضوا  بل لم يحاولوا أن يخوضوا  حرباً مماثلة ضد نظام مبارك على مدى ثلاثين عاماً قام خلالها بين الطرفين وئام وسلام لمعظم الوقت الذي بقي فيه مبارك رأساً للسلطة. وذلك في ما عدا الفترات القليلة التي لم تستغرق أكثر من أسابيع أو أشهر قليلة كانوا يحاولون فيها استعراض قدرتهم على استخدام القوة المسلحة. أما الآن فإنهم لا يملكون هذه الفرصة ولا نسبة قليلة منها. لقد استطاعت الثورة المصرية الحالية، بتأييد صريح ومباشر من الجيش، أن تحطم قوة (الإخوان) المسلحة والمدربة، وأن تحولهم إلى عصابات صغيرة تحاول أن تثبت وجودها في مجال لا يتسع لهم في وجود الجيش، الذي برهن على إدراكه التام والواضح لما يريده منه الشعب في ما يتعلق ب(الإخوان).

وصحيح أن الصحافة المصرية تناولت في الآونة الأخيرة ما وصفته بأنه (مخطط يهدف إلى إسقاط مصر) (على سبيل المثال تصريحات وزيرة الإعلام المصرية الدكتورة درية شرف الدين لصحيفة (المصري اليوم) في الأول من كانون الأول الحالي)، إلا أنه من قبيل الابتعاد عن الواقع بأوسع المسافات أن نظن أن مصر قابلة للسقوط تحت أية قوى أو ضغوط. ولو أن الولايات المتحدة تحديداً اعتقدت بإمكان حدوث هذا، لاعتبرت نفسها أكثر جدارة بأن تحقق هذا الهدف في الظروف الراهنة، ولما تراجعت بسرعة ولمسافة بعيدة عن العمل ضد مصر. وفضلاً عن ذلك فإنه ليس مثل هذا الاحتمال الخيالي وارداً في ظل ظروف لا تملك فيه القوى الخارجية سوى تنظيم (الإخوان) لاستخدامه لتحقيق هذا الهدف الموغل في الخيال.

إن الحديث عن هدف يُطلق عليه (إسقاط مصر) لا يتجاوز أبداً حدود الخيال بل الهلوسة الذهنية. وفي هذا الإطار فإن سقوط (الإخوان) هو الإنجاز الأكبر للثورة حتى الآن. وفي مصر البداية لنهاية (الإخوان).

سمير كرم

(السفير) 6/12/2013

العدد 1105 - 01/5/2024