كيف نعلّم أولادنا تصفح الجريدة وتجنب الإعلان السيئ؟!

يلعب الإعلام دوراً كبيراً في حياتنا وهو ما تجلى واضحاً أثناء الأزمة التي نعيشها اليوم، فقد كان له تأثير سلبي على نسبة كبيرة من الشباب-ات، بسبب انهيار وتفكك العديد من الأسر، الأمر الّذي أدى إلى تفسخ الرّوابط الأسرية، وانهيار الأسس الأخلاقية الصّحيحة بين النّاس، ترافق ذلك مع إعلام باتت مهمته المتاجرة بالأخلاق وليس نشر الحقائق، والدّفاع عن الكرامة الإنسانية، وقد أكّدَ ذلك التأثير (سامويل باتلر 1835-1902) في قوله: (إنّ أهم خدمة يقدّمها عالم الصّحافة والإعلام هي تعليم النّاس كيف ينظرون إلى المواد المكتوبة بعدم الثّقة).

ولكن ما هي الأسباب الّتي أوصلت الشباب-ات إلى التّأثر بالصّحافة دون تحليل محتوى المقالة أو الإعلان المعروض؟!

لم يعتد أولادنا على ثقافة قراءة الجرائد وتحليل مضمونها، لذلك فالمرجعية الأساسية لتبنّي آرائهم كانت ومازالت، الأهل، أو رجل الدّين، أو أيّ شخص قد يلتقي به الشّاب في الشّارع أو في المقهى، أو أيّ مكانٍ آخر.

تقول المختصة التربوية شام، وهي أمّ لثلاثة أولاد: (شجعوا أولادكم منذ صغرهم على قراءة الصّحف، فالإعلام المكتوب والتّلفاز والأفلام تؤثر على طريقة تفكير الأولاد، ويُمكننا اللّجوء إلى الإعلام كوسيلة لفتح النّقاشات معهم، وهنا تتم الإشارة إلى ما إذا كان الإعلام يتلاعب بطريقة تفكيرنا). تتابع شام وتقول: (يمكننا النّظر إلى العناوين والصّور والمقالات، لتمييز ما إذا كانت المعلومات الواردة فيها حقيقة أو مجرّد رأي، وإلى أيّ جمهور تتوجه المقالات، كما يُمكننا معاينة مضمون التّقارير الصّحفية حول النّاس والأخبار المحليّة والعالمية، وأهم شيء هو أن نناقش مع أولادنا المصادر الّتي يُمكن استقاء المعلومات منها: كلام منقول، إذاعة، تلفاز، شابكة إلكترونية، صُحف، مجلات، إلخ..).

وسؤال آخر يتبادر إلى أذهاننا: كيف نتعامل مع الإرهاب الّذي يُعرض على التّلفاز ويشاهده أولادنا كلّ يوم وكلّ ساعة؟!

يقترح المختصون سرد قصّة على الأطفال بالأسلوب التّالي: تعرض الوسائل الإعلامية بانتظامٍ تقارير حول الإرهابيين، الّذين يعمدون إلى أخذ النّاس رهائن، ويهددون بتفجير الطّائرات، ودسّ السّمّ في الطّعام، لفرض مطالبهم على المنظمات والحكومات الّتي يجب أن تتعامل مع مثل هذه التّهديدات، كما أنّ الرّضوخ لمطالب الإرهابيين قد يكون له مضاعفات كبرى.

بعد سرد القصّة اسألوا أولادكم، ما هو الجيّد بالموضوع، وما هو السيئ؟ وسجلوا الملاحظات على ورقة جانبية.

الجيّد: إنقاذ حياة الأبرياء، ومنع الإرهابيين من القيام بأعمالٍ أكثر سوءاً إذا تمت مواجهتهم.

السيئ: هل يشجع ذلك الآخرين على أن يصبحوا إرهابيين أيضاً؟ واسألوهم: ما هو الحل برأيكم؟!

ماذا لو اضطررنا إلى إخراج شخص سيئ من السّجن؟ ما هي عواقب ذلك؟! من خلال هذه المناقشة المفتوحة ستخرجون معهم بجملة من الآراء والحلول الّتي قد تكون غير واردة على ذهن الكبار.

بعد ذلك اسألوهم عن المشاعر الّتي انتابتهم أثناء مشاهدة مثل تلك المناظر، هل هي الحزن، أم الغضب، السّوء، النّقمة، الارتياح، الخوف، الخ…

ومن الممكن متابعة المناقشة بطرح أسئلة تثير فضول الطّفل، مثل: هل كانت محطات التّلفاز تُخطط لحصول كلّ ذلك لاستقطاب أكبر عدد ممكن من المشاهدين؟!  هل هذه هي الطّريقة الصّحيحة للحصول على المال؟! هل كلّ ما تعرضه الإذاعات حقيقي؟!، وهل تخفي الصّحف المعلومات أمّ أنّها تكشف كلّ المعلومات الّتي لديها؟!

بعد ذلك من الممكن أن تطرحوا أسئلة تُحفّزهم على تخيّل النّتائج: ماذا لو استمر الإرهاب، ما الّذي سيحدث؟!، ماذا لو تعامل النّاس مع بعضهم بمحبة، ما الّذي سنتمكن من فعله عند ذلك؟!

ثمّ تابعوا حديثكم مع طفلكم،  هذه المشاهد أو القصص الّتي سببت لنا هذه المشاعر السّلبية من الممكن أن نتجنبها ونبتعد عنها، والسبيل إلى ذلك هو تحديد وقت لمشاهدة التّلفاز بمرافقة أحد الوالدين، بعد تحديد البرامج التي يمكن مشاهدتها.

تقولُ سعاد: (الصّعوبة الّتي أواجهها مع طفلي البالغ من العمر 6 سنوات، هي الإعلانات، فهو متأثر بها لدرجة كبيرة، وهي تؤثر كثيراً على أفكاره، وأنا لا أستطيع أن أشتري له كلّ ما يعرض على شاشات التّلفاز، فما هي الطّريقة الصّحيحة للتعامل معه؟!).

المشكلة الّتي تواجهها سعاد هي مشكلة كلّ أهل، فحيثما ذهبنا وجدنا الإعلانات، من يمكن اللّجوء إليها لتنمية أفكار أولادكم، باللّجوء إلى لعبة ماذا لو…؟!، واستخدموا الإعلانات لفتح حديث معهم، فناقشوهم وأشيروا إلى الفرق بين الحاجة والرّغبة.

يمكننا استعمال الإعلانات الكثيرة الّتي تملأ حياتنا، لخلق فرص للحكم على الأمور واتخاذ القرارات، حدّثوهم عن الإعلانات الّتي يرونها وحاولوا تخيّل الرّسائل الّتي تحاول إيصالها للناس، والوسائل الّتي لجؤوا إليها لإيصالها، دعوا أولادكم يتنبهون للخدع، والاستراتيجيات المستخدمة، وأن يلاحظوا الفرق بين الحقيقة والخيال، والمبالغة والواقع، وذلك باتباع الخطوات الآتية:

1. ساعدوهم للعثور على الحقائق، مثلاً:

* تعتمد الشّركات على الإعلانات لتعرّف النّاس على المنتجات والخدمات الّتي لديها.

* مهمة الإعلان إقناع النّاس، لذلك هو يستخدم الرّسوم الجميلة والأغاني الحلوة، الّتي تؤثر علينا وتُحدث تغييراً في حياتنا.

* لا يمكننا الحصول على كل المنتجات التي نراها في الإعلانات، هي فقط لتفتح لنا باب الاختيار، إذ يجب أن تكون لدينا أسبابنا الّتي تدفعنا إلى شراء غرض ما.

2. اطرحوا عليهم أسئلة تدعوهم على التّفكير الصّحيح، مثل:

* هل تقول الإعلانات دوماً (الحقيقة)؟!، فإذا كان إعلان ما يقول عن سلعة ما إنّها جيّدة، هل بالضّرورة أن تكون جيّدة؟!

* قدّموا لهم مثالاً عن إعلان (جيّد) وآخر (سيئ)، ووضحوا لهم السّبب.

* هل يمكن للإعلانات أن تؤثر على طريقة نقل الأخبار؟ (مثلاً: إذا كانت الشّركة المعلنة قد دفعت أموالاً طائلة فهل يؤثر ذلك على نقل أخبار عن الشّركة؟)

* تعود الإعلانات بالأموال على الجهات الرّاعية إذ يقوم النّاس بشراء المنتج؛ كما تدرّ الكثير من الأموال للمحطات الإذاعيّة والصّحف لقاء ما تدفعه الجهات المعلنة على المساحات المكتوبة أو على مدّة البث على الهواء.

* يمكن أن تكون الإعلانات من النّوع الاجتماعيّ مثل: الإعلان عن السّلامة على الطّرقات، التّشجيع على نشر الوعي الاجتماعيّ أو طلب التّبرع للأعمال الخيّريّة، أو تشجع لنشر فكر معيّن، الخ…

* ماذا عن الأموال النّقديّة الّتي تُدفع لقاء الإدلاء بتعليقات معيّنة (حين يدفع المال لأحد المغنين للتعليق بشكلٍّ إيجابيّ على منتج ما)، ماذا لو لم يعلم النّاس بموضوع دفع المال؟!

قد تبدو مناقشة إيجابيات الإعلان وسلبياته عملية معقدّة جداً يصعب شرحها، ولكنّها سوف تساعد أولادكم في الحكم على الأمور وتعلّمهم اتخاذ الخيارات.

يستحيل مناقشة كل تلك الأفكار الّتي تتعلّق بالإعلام والإعلان في جلسةٍ واحدة، أو حتّى في يومٍ  أو على مدى أسبوع؛ ولكن يمكن خلق مستويات من المعرفة والأفكار تدريجياً، أضيفوا المعلومات رويداً، رويداً إلى ملف فهم أولادكم حول الإعلام، واستعملوا هذا الموضوع لفتح أعينهم ورؤية الأمور بوضوح، لأنّ ذلك سيمنعهم في المستقبل من التّأثر بما يعرض أو يُقال دون العمل على تحليله ومناقشته من كلّ الجوانب.

العدد 1105 - 01/5/2024