«مُخلّل» سياسي!

يوم الخميس 24/10/2013 مساء، قدمت قناة سما الفضائية موضوعاً هاماً جداً ومثيراً بعنوان:  (ما هو رأيك بالمحلل السياسي)؟!

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن المحللين السياسيين، وخاصة الجدد منهم، الذين ظهروا بكثرة منذ بداية الأزمة وأثناءها، فتغنت الفضائيات والإذاعات بهم وأطلقت الألقاب عليهم، فبعض هذه الفضائيات أسمتهم بالناشطين السياسيين والإعلاميين، وبعضها الآخر أسماهم بالمحللين السياسيين والاستراتيجيين، وكانوا حذرين جداً بإطلاق لقب المفكر العربي على هذا الشخص أو ذاك، خشية أن يذكّروا المشاهد باللقب الذي أطلقوه سابقاً على أحد التافهين الذي يدّعي زوراً وبهتاناً أنه ابن اليسار العربي، وهو الآن يركع تحت أقدام أقصى اليمين في قطر والسعودية، اللتين تمثلان قمة التخلف والرجعية والعمالة، وعلى (قولة) إخوتنا المصريين: (إذا كان طه حسين قمة في الأدب، فإن مفكرنا العربي السيئ الصيت المعروف للجميع هو قمة في قلة الأدب). وهذا لا يتوقف على هذا المنقلب فقط، فكثيرون أنكروا المعروف والجميل وتاهوا قصداً أو عن غير قصد، وفقدوا البوصلة وانقلبوا. لقد (سقط القناع عن القناع)، ورأينا فنانين كنا نحترمهم ونقدر مواقفهم أصبحوا في الخندق الآخر المعادي، ويا حيف عليهم من أجل حفنة دولارات باعوا أنفسهم ووطنهم.

نعود إلى الموضوع، فخلال أزمتنا الدامية فرض على المشاهد والمستمع السوري أكثر من 90 محللاً سياسياً، وأصبح التحليل السياسي كما يقول البعض (شغلة اللي ما إلو شغلة).

وفي السياق نفسه ناقشت أحد الأصدقاء الروس، الذي حضر ضمن وفد للتضامن مع سورية وهو يتكلم اللغة العربية، وعندما سألته: من أين لك كل هذه المعلومات؟ أجابني باللغة العربية واللهجة الروسية: من المخلل السياسي! ضحكت كثيراً وقلت له: صدقت، إنه مخلل سياسي وليس محللاً سياسياً.

وعودة إلى برنامج (سما) الجريء، الذي حاول أن يستطلع مجموعة آراء للمواطنين بشكل عشوائي، فتلكأ البعض في عد بعض أسماء المحللين، وقال البعض الآخر بأننا لم نعرف هؤلاء الأشخاص من قبل وأن تحليل بعضهم مجرد كلام فقط لا غير.

من هذا المنطلق أقترح على فضائياتنا وإعلامنا الوطني، الذي، والحق يقال، بأنه بدأ يتطور ويتحسن أداؤه: أن يفسحوا المجال للناس البسطاء ليعبروا عن رأيهم في هذا الموضوع أو ذاك، وسوف نرى محللين سياسيين بكل معنى الكلمة، رغم ثقافتهم المتواضعة، وبعد ذلك يقارن الشارع بين ما يسمى الطبقة المثقفة (النخبة) والطبقة الكادحة (البسطاء).

وعلى سبيل المثال، سوف نأخذ رأيين للمحللين البسطاء في هذا المجال:

1- عندما قرعت طبول الحرب على سورية ولاح شبح التدخل الخارجي وشوشت الصورة عند البعض، قال أحد المحللين البسطاء لأحد زعماء الأحزاب المعارضة الوطنية: (إذا فتحت بيضة الطائر من الداخل فسوف تعطينا مولوداً جديداً جميلاً، وإذا فُتحت البيضة وكُسرت من الخارج فهذا يعني أن خطراً ما داهم العش، وسوف يأكل البيضة وقشرتها وأبويها)! فأعجب هذا القائد بهذا التحليل، واستشهد به في أحد لقاءاته الإعلامية.

2- الدرويش (أبو أحمد) ضاهى برأيه كبار المحللين الاقتصاديين، عندما أطلق تحليله الاقتصادي لسياسة الدردري الاقتصادية قائلاً: (والله، الدولة عم تضغط على الشعب كتير، إي يعني هلكته هلك بالضرائب والغلاء، ورفع الدعم، لكن شوف بابا الشعب ذكي ومو هيّن كمان، إي عم بيدبر حاله، كلٍ في موقعه، البعض بيرتشي والبعض بيتهرب من دفع الضرائب والبعض بيسرق الكهرباء والبعض بيحتال على القانون و(حكلي لحكلك).. إي شو مفكر حالوا الدردري ذكي.. لا.. بابا.. لا، إي نحن الشعب أذكى، عم يلعبوا معنا لعبة القط والفار، إي لك إذا كانوا هنن الكيس، إي نحن رباطه بابا..).

ومن أجل أن لا يكون (حدا أحسن من حدا) سوف أدلي بدلوي وأقول:

إن ما كشفته هذه الأزمة كان واضحاً، لأن الفاسدين والمرتشين لم يكونوا يوماً يفكرون بالوطن وأمنه، فهم استغلوا الدولة والشعب معاً وكدسوا أموالهم وخانوا وطنهم، وأوصلوا الأمر إلى ما هو عليه اليوم ..فكنا دائماً نقول إن قسماً من برجوازيتنا (برجوازية كمبرا دورية) مرتبطة بالخارج وعميلة، لذلك رأينا أن قسماً من هؤلاء أصبح مباشرة في قيادة ما يسمى (بالمعارضة الخارجية المستوردة) بعد أن هرّب أمواله وهرب مع عائلته، وبدأ يوجه انتقادات للدولة الوطنية والنظام الوطني الذي كان هو أحد أركانه، وهو وأمثاله سبب رئيسي في كل أخطائه التي حدثت سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي.

وكما يقف الإرهابيون والفاسدون والمرتزقة في خندق واحد، لتدمير سورية وحرفها عن ثوابتها الوطنية، يقف بالمقابل رجال شرفاء من المعارضة الوطنية، مع رجال شرفاء من الموالاة، للدفاع عن سورية وصون وحدتها وحمايتها من كل طامع وخائن ومرتد، وتنقيتها من الأخطاء والشوائب، والحفاظ على الثوابت الوطنية ضد المشاريع المشبوهة الإمبريالية والصهيونية في منطقتنا، ولتبقى سورية عاصمة للمقاومة، وضد التخلف والرجعية، ولتصبح أقوى وأجمل وأمنع، ليتم ردم الهوة التي كانت سابقاً بين السياسة الخارجية المقاومة الوطنية وبين السياسة الداخلية غير المقاومة، وفي بعض الأحيان غير وطنية.

عندما خيم شبح التدخل الخارجي على سورية، وأصبح العدوان قاب قوسين أو أدنى، وصمود الشعب السوري وتحديه العدوان، في أوجه، انطلق صوت أسمع سورية كلها، وتردد صداه في كل الجبال والوديان يقول: (مية حبل مشنقة ولا يقولوا بو عمر خاين يا خديجة..).

لقد كان هذا الصوت هو صوت المعارضة الوطنية الحقيقية التي وضعت مصلحة سورية وسلامتها وكرامتها فوق كل اعتبار، وجعلت بعض المحللين السياسيين الجدد حيارى.

العدد 1105 - 01/5/2024