شبابنا في عام… يأسٌ أم تشبّثٌ بالأمل!؟

ها هو ذا عام آخر قد شارف على نهايتهِ، ونزيف الوطن لا يزال يحرق ضمائرنا وأحلامنا ويشكل العائق الأكبر في وجه أحلام الكثيرين.. هو عامٌ قاسٍ آخر، مرّ كالكابوس على كل سوريّ، بما فيهم فئةُ الشباب، ولأنهم وقود أي مجتمعٍ.. فإنه من المحتم أن نبض حماسهم، يعكس بشكل أو بآخر مقدار الحيوية فيه، وبقدر علوِّ طموحهم، يزدهر الوطن ويسمو، وبناءً على ذلك فإنّ لإلقاء الضوء على ما آلت إليه أحوالهم أولويّة.. وقد قامت (جريدة النور) بتحقيق حول ما الذي فعله شبابنا وشاباتنا في عام مضى، هل توقعوا ما يحدث؟ وهل صدقت توقعاتهم؟ وهل خابت آمالهم؟ البعض كان في قمة اليأس.. وتوقعاته خابت وقد رأى أنه لا فائدة من أن يخطط الإنسان لشيء، لأنه لن يحصل على شيء.. والبعض الآخر كان أقل خيبةً ورأى أنه لا تزال هنالك بعض الأمور الإيجابية التي يجب أن نصبها في صالح تحسين ظروف المعيشة والحياة اليوميّة، فيما عزف الكثيرون عن التفكير واكتفوا بإمضاء كل يومٍ وانتظار آخر، وتحقيق صلب أولوياتهم فحسب.. وها هنا بعض آرائهم..

وكانت البداية مع (رندة برهان) التي ضبطت أحلامها بالواقعيّة وتمنّعت عن الأمل أو اليأس في آن.. وهي شابّةٌ تدرسُ هندسة العمارة في سنتها الخامسة قالت إنها لم تكن تتوقع أي شيء.. وكل ما كانت تودُّ أن تفعله هو إنهاء سنتها الرابعة، فقد رأت أنه في ظروف كهذه يجب أن تكون توقعات الإنسان في حدها الأدنى.. هي لم يخب أملها، وذلك ليس عائداً لسعادتها بتحقيق ما كانت تريده.. بل لأنها لم تكن تريد شيئاً يستحق أن تخيب آمالها عليه، فقد نجحت بصعوبة من سنتها الرابعة، وهي شاكرةٌ ومكتفيهٌ بذلك بالرغم من أنه آلمها أن 20% من الطلاب لم يحضروا ليكملوا دراستهم، وأن معظم العاملين في الكلية لم يقدّروا الظروف التي يواجهها الطلاب، مما جعلهم يشكلون ضغطاً إضافياً.. وعندما سألتها عن إنجازاتها خلال عام مضى، ضحكت بمرارة وقالت: أتسألينينني عن إنجازاتي؟ بل اسألي عن خساراتي!

أما (ر،ح) وهو شابٌ موهوب في كتابة القصص، فقد كانت خيبته كبيرة وما توقعه لم يحصل.. فقد عمل جاهداً منذ عام على كتابة مجموعة من القصص القصيرة، وكل توقعاته كانت تتمحورُ حول أنه لا يمكن لأي دار نشر أن ترفض مشروع كتابه بعد أن مدحه الكثيرون على إبداعه.. وحينما ذهب إلى جميع دور النشر تقريباً.. طالباً منهم نشر كتابهِ ولو كانت التكاليف ملقاة عليه، فقد فوجئ ليس فقط بالرفض بل بالسخرية!! قال:

زرتُ العديد من دور النشر، جميعها رفضتني، ليس من أجل سوء كتاباتي، فهم لم يقرؤوها حتى، بل ضحكوا وقالوا لي: ( معظم الناس لا تجد مالاً كافياً للطعام، فهل تريد أن يشتروا قصصاً؟! وضع النشر سيئ بل وسيئ للغاية، وهو توقف منذ بداية الأزمة، فليس من عاقلٍ يقحم نفسه بصفقة نتيجتها خاسرة من دون شك)! عدتُ خائباً إلى المنزل وقد شعرتُ كأني أريد أن تطبق السماء على الأرض وتسحقني.. أجل لا متسع لي للحلم وكل ما سأفعله هو مزيد من الكتابة علّها تُفرجُ يوماً ما.. وحينما سألته عن أمله في ذلك.. قال: أملي ضعيف، فحتى لو انتهت الأزمة، فإن الناس سيلتهون بلملمة جراحهم لا برفاهيّة القراءة والمطالعة!

في حين كان رأي الشابة (ج، خ) مختلفاً، فهي من النوع القنوع واللامكترث، والذي استطاع أن يحصل على ما يبتغيه، فقد قالت: كنتُ أريد أن أتزوج وتزوجت، وأن أرفّع سنتي الثانية في الأدب الإنكليزي ورفّعتها، لم أحصل على عرس أحلامي ولكن لا بأس.. أكره البذخ وأكتفي بالمعقول، وها أنا ذا أكمل سنتي الثالثة.. أحضرُ محاضراتي إلى المنزل، وأدرسها بتأنٍّ.. وابتسمت وقالت: إن كان لا يد لنا في القضاء والقدر فلم ننهك أنفسنا؟! فلنعش بقناعة وبساطة ونهايتنا في القبور.. تختلف الأسباب ولكن النتيجة واحدة، فليحصل ما يحصل، ولترحل أوجاع الرأس إلى الجحيم! وحينما سألتها: ألا تظنين أن في ذلك نوعاً من الاستسلام للواقع أكثر منه مجرد رضاً؟ قالت: أعترف بذلك، لكن ما الفائدة من عدم الاستسلام؟ فمن مئات الأعوام لم يحصل تغيير في واقعنا ولا نزال على ما نحنُ عليه.. فهل أنا أستطيع أن أغيّر شيء ما!!

وقد جاءت منال بتفاؤل استثنائي لم أكن أتوقعه، إذ قالت: انتهيتُ من البكلوريا وتحديتُ جميع الظروف، حتى استطعت الحصول على المجموع الذي يتيح لي الدخول في كليّة الصيدلة، وأنا سعيدة للغاية رغم كل شيء.. فالوردة قادرة على أن تنبت من بين الركام، واليأس لا يجلب إلا مزيداً من اليأس.. هذه الأزمة جعلت منا أقوى، ولأننا لا يمكن أن نواجه الموت إلا بالحياة، فأنا سأصرُّ على الاستمرار بالحياة.. وليس هذا فحسب، بل سأكون طامحةً كي أحقق الكثير من الإنجازات مهما كانت الصعوبات.. وإن كانت هذه الأزمة ستطول فإنما من النفوس الضعيفة التي تستسلم للأمر الواقع وأنا لن أكون شريكة في هذا!

بينما كان عمر في حالة صعبة، وهو خريج كليّة الصيدلة.. فقد قال: كنتُ على أمل أن أستلم شهادة تخرجيّ، كي أباشر العمل، وعندما استلمتها قطعت الطرقات طولاً وعرضاً ولم أجد أي مكان يستقبلني.. تنتظرني خطيبتي من أجل أن نتزوج منذ سنتين، ولا أعلم كيف أحقق ذلك، لذا قررتُ أن أعمل مندوب مبيعات.. وهو عمل مضنٍ ومهين في كثير من الأحيان.. وراتبه 26 ألفاً فقط.. وفي هذه الأحوال لا يكفي شيئاً.. بينما شهادتي التي تعبت من أجلها على الرف تنتظر، أنا خائب الأمل كثيراً.. ولا أجد بين كل هذه الصعوبات مجالاً لكي أحلم أو أن أحقق شيئاً إضافياً.. منهك ومكتئب وتحاصرني الخيبات..

أما سوسن (سنة أولى، هندسة حواسيب وأتمتة) فقد كانت في قمة الغضب في حين وممتنة في أحيان أخرى، فقد شكرت أن جامعاتنا مجانيّة وهو أمر نادر في معظم الدول.. وحينما سألتها عن هذا العام أجابتني بحسرة: جعلتُ الجميع يعرف أن حلمي الدخول في فرع هندسة الحواسيب، وعندما حققتُ ذلك اصطدمتُ جداً بما رأيته، الكليّة بلا انضباط وبلا اهتمام، والمُحاضرون لا يساعدون الطلاب.. والإمكانات ضئيلة جداً، كما أن السكن الجامعيّ ليس مُخدماً كما يجب بالحد الأدنى وفيه الكثير من الطلاب.. ففي غرفتي 10 فتيات!! وعند البرد القارس لا تُشعل المكيفات سوى لساعتين، وشعرتُ كأني سأتجمد برداً.. كانت أحلامي وردية وقد غمرتني الخيبة.. فلم أتوقع أن أعيش وكأني في سجن، من السكن الجامعيّ إلى الكلية.. فهي في منطقة نائية نوعاً ما وفي ظل هذه الظروف التي تحيط بها المخاوف وتقيّد من حرية التنقل والإفساح عن النفس.. وكثير من الأحيان أتساءل هل من الممكن أن أكون مهندسة ناجحة وبنّاءة في ظل كل هذا؟!

في النهاية.. بدت جميع الآراء منحازةً نحو التشاؤم، حتى أمنياتهم للعام الجديد كانت متدنية، فالكثير قال إنه يحلم بالسفر.. والبعض تمنى أن يجد عملاً في ظل بطالة تلتهمُ اطمئنانهم، فيما أمل البعض أن يستطيع أن يتخرج في كليته وهذا أقصى ما يصل طموحه إليه..

بينما تمنى الجميع وبلا استثناء أن يعود الأمان إلى ربوع الوطن.. وأن تخف وتيرة الأحداث المتسارعة، لتتيح للجميع أن يلتقط أنفاسه، وجميعهم اتفقوا على أن خيبة الأمل الأعظم في هذا العام الذي يودعنا بكل مآسيه، هي خيبة الوطن عندما يرى أبناء الأرض الواحدة يتقاتلون أو يتفرقون.. ولا يزال جرحه ينزف بلا هوادة ولا أحد يكترث بأن يضع حدّاً لكل هذا..

جميعهم كانت عيونهم تشع بدموع معلّقة.. وحسرة فاضت إلى حروفهم فقالوا مجدداً إنه:

في العام القادم.. أصبح من غير المعقول ألا نبدأ جميعاً.. بحل هذه المعضلة، ونتفاهم كبشر من أجل بلد جميل قدّم لنا كل شيء، ينتظر الشفاء.. لا مزيداً من الاحتضار والدمار!

العدد 1105 - 01/5/2024