قانون الأحوال الشخصية.. تعديلات لا تحاكي الواقع

تداولت وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة نية وزارة العدل تعديل قانون الأحوال الشخصية السوري والمعمول به منذ 60 عاماً بموجب المرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1953 وتعديلاته المختلفة، ولكن هل تلبي التغيرات المطروحة الطموح وتنسجم مع السعي لمجتمع مدني ديمقراطي، وهل سيحقق المساواة الكاملة بين المواطنين بغض النظر عن الجنس أو العقيدة أو الدين أو القومية أو أي اختلاف آخر.

آراء كثيرة التقتها «النور» أيدت ضرورة تغير عدد من القوانين المعمول بها خاصة التي تستند في مرجعيتها على الشرائع السماوية، كما أنها رفضت المقترحات «العصرية» التي طرحت في تعديل قانون الأحوال الشخصية، فمن جهته أكد الطالب في كلية الحقوق فراس الأحمد أن الدستور السوري ينص على أنه «المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات»، إلا أن استمرار اشتراط الصحة في عقد الزواج حضور شاهدين رجلين، أو رجل وامرأتين مسلمين هو أمر ينتهك هذا الحق من الدستور في التساوي أمام القانون. أما الإشارة إلى الكتابيين في زواج المسلم بالكتابية حين الضرورة، فيعد ذلك رؤية تمييزة بحق الأديان الأخرى، ويبين تناقضه من مبدأ التساوي أمام القانون. في حين أن الفقرة الثالثة من نفس المادة تدل وبوضوح على انتهاك حقوق تثبيت عقد الزواج بين مسلم وكتابية «تجوز شهادة الذمي إذا كانت الزوجية كتابية، حين الضرورة ولكن لا يثبت الزواج إذا جحده الزوج المسلم، ويثبت إذا جحدته الكتابية» الأمر الذي يبث التمييز بين الأديان. وهو تمييز على أساس الدين منتهكاً بذلك المادة /2/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان «لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين..» مؤكداً على ضرورة مراعاة ذلك في القانون الجديد وإلا سيكون نسخة عن سابقه.

أيضاً أشار الأحمد إلى أهمية أن يحقق القانون الجديد المساواة الكاملة لكافة مكونات المجتمع السوري وألا نفرد مواد لطوائف المجتمع فهذا بحد ذاته تميز، مع التأكيد على إلغاء كافة المواد التي تحوي أي شبهة تمييز.

بدورها أكدت محامية «طلبت عدم ذكر اسمها» أن أي تعديل مرجعيته الدين والشريعة سيبقى منقوصاً ولن ينسجم مع متطلبات العصر وحاجات الإنسان، وتساءلت هل التعديلات التي طرحت في الإعلام كالزواج عبر السكايب، وإلزام الأب على تعليم أولاده في حال طلق الأم تنسجم مع المطالب المنشودة أم أن السعي فقط لإضافة مواد تتناسب مع تطورات العصر ووسائل الاتصال دون أي مراعاة للحريات والديمقراطية وبناء المجتمع المدني القائم على أسس المواطنة، وقالت: لماذا تكرس القوانين والتشريعات السورية العنف والتمييز بحق أفراد المجتمع السوري بشكل عام والمرأة والطفل بشكل خاص.

من جهته رأي الأستاذ موريس هلال أن التعديلات المقترحة لقانون الأحوال الشخصية قد خيبت آمال الكثيرين لعجزها عن مواكبة التغييرات الاجتماعية من حيث الانفتاح على الآخر وإعادة انتاج حلول لمشكلات المجتمع بصورة تتناسب مع صورة سورية كدولة علمانية حديثة نتغنى بها في كل المحافل العامة والخاصة، وقال: أم إننا لم نتجاوز بعد جميع الانتماءات الضيقية إلى الانتماء الوطني؟!.

ختاماً إن تعديل قانون الأحوال الشخصية يأتي في وقت يرزح فيه المجتمع السوري من ثقل أزمة انطلقت للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية في بنية المجتمع وتحقيق المواطنة الكاملة وتطبيق الديمقراطية المنشودة، ولذا نأمل ألا يأتي التطوير بطراز أقدم من السابق ممايدفع المواطن للترحم على القديم.

العدد 1105 - 01/5/2024