المصالحة الوطنية… حل الأزمة برؤية سورية

بعد فشل جولات متتالية من مؤتمر (جنيف)، وبعد فشل المساعي العربية والدولية لإنهاء الصراع الدائر في سورية، اتضح أن الحل لن يخرج إلا من رحم الأرض السورية، ولن يتحقق إلا على أيدي السوريين وحدهم وبإرادتهم فقط، ومن الخلال المصالحات الوطنية وحوار السوريين. لاسيما أن المصالحة قد أثمرت بعض النتائج في بعض المناطق السورية.

وكان لاتفاق طرفَيْ النزاع على وضع بعض الشروط وتطبيقها أثر في عودة الحياة إلى مناطق سورية، كقدسيا وبرزة البلد والمعضمية وببيلا.

ببيلا

ففي ببيلا نصّت هذه التسوية – المصالحة الوطنية بين الطرفين على: وقف إطلاق النار، وتسليم مقاتلي المعارضة أسلحتهم الثقيلة، ورفع الحصار والسماح بدخول المواد الغذائية إليها، ووضع حاجز مشترك عند مدخل البلدة، ورفع العلم الوطني على الدوائر الرسمية في هذه المناطق.

وتحدث أحد أعضاء لجنة المصالحة في المنطقة السيد خوندي عن (نقاط أمنية مشتركة بين الجيش العربي السوري ولجان شعبية ستتشكل ممن سيتم تسوية أوضاعهم من قبل الدولة)، وأشار إلى (معلومات عن فتح الطريق من منطقة القزاز إلى السويداء مروراً ببيت سحم)، مشيراً إلى انه (باستطاعة أبناء البلد أن ينهضوا ببلدهم لو تُركوا دون أن تدخل من أي طرف خارجي).

قدسيا

أما في قدسيا في ريف دمشق، المدينة التي شهدت أعنف المواجهات العسكرية، فقد عادت الحياة الاجتماعية إلى توازنها، وبقي المسلحون داخل المدينة تحت شرط تسوية توقف إطلاق النار، ليعود الناس إلى بيوتهم، كما تعمل فرق الإغاثة في تأمين حاجات المهجّرين، الذين يتجاوز عددهم 300 ألف من مجمل عدد سكان المنطقة التي تستوعب اليوم أكثر من نصف مليون شخص بين نازحين وسكان أصليين.

وعلى الرغم من تعثر المصالحة الوطنية في منطقة قدسيا، إثر اغتيال ضابط منذ فترة، ما أدى إلى إغلاق الطرق المؤدية إلى المنطقة لمنع أي محاولة للمسلحين للخروج إلى المناطق المجاورة، كما أكد مصدر ميداني، إلا أن التواصل بين لجنة المصالحة الوطنية واللجان الشعبية في المنطقة قائم، للحفاظ على الهدوء وإيجاد حل بخصوص المظاهر المسلحة في قدسيا.

حسن، أحد القاطنين في المنطقة، أخبرنا بأن الحواجز التابعة للجيش السوري تسمح للمدنيين والطلاب والموظفين بالخروج والدخول من المنطقة وإليها، وبأن إطلاقاً للرصاص وأحداثاً على المستوى الفردي تقع بين الحين والآخر بين حواجز الطرفين على خطوط تماس قليلة محيطة بالمنطقة، وأضاف: (اليوم تعني المصالحة لنا جميعاً إيقافاً تاماً للعنف).

المعضمية

في معضمية الشام عادت بعض العائلات إلى البلدة بعد إطلاق اتفاق المصالحة، هذه العودة التي جرت بشكل تدريجي رافقها تدقيق في الهويات وسجلات العائدين، كما أخبرنا أبو أحمد.

جاء الاتفاق في المعضمية بعد اجتماع بين وفد من وجهاء البلدة وممثلين عن العناصر المسلحة ولجنة المصالحة الوطنية، وجرى التوصل إلى اتفاقٍ تعوِّل لجان المصالحة على إمكانية استمراره، وهو يشمل تسليم السلاح الثقيل إلى الجيش السوري، مع السماح للمسلحين بالاحتفاظ بالسلاح الخفيف، (ضمانة لعدم خرق الهدنة من قبل النظام)، كما يُشطب التعميم الصادر بحق المطلوبين من المسلحين داخل المعضمية، إضافة إلى عدم دخول الجيش السوري إليها، وتسليم أمن المنطقة إلى لجان أمنية ينتخبها أهالي المنطقة، وتسوية أوضاع كل مسلحيها، وعودة المنشقين فيها إلى الجيش السوري، بعد تسوية أوضاعهم. كذلك تنص التسوية على عودة الأهالي النازحين مع السماح بدخول المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية من دون التعرض لها من الطرفين، وضمان وقف عمليات القنص من قبلهما، بالتوازي مع خروج المقيمين غير الأصليين من المعضمية، واستمرار اللقاءات بين الوفدين لتأمين استمرار الهدنة والوقوف على آخر مستجداتها. وعلى أساس الهدنة، نشر الناشطون شريطاً مصوّراً لعملية إعادة رفع العلم السوري فوق أعلى نقطة في المعضمية، خزانات المياه، كبادرة حسن نية إثر التسوية.

برزة البلد

في برزة البلد يتحدث الأهالي عن حواجز قائمة لكلا الطرفين تحدّد حدود وجود كل منهما، وعن اتفاق يقضي بإدخال المساعدات إلى المنطقة، وفتح الطرقات التي تعتبر رئيسية كطريق التل – معربا، وإخراج المعتقلين.

(شذا. ح) بعد أن سمعت باتفاق المصالحة ذهبت لرؤية منزلها، وعند وصولها نصحها عناصر الحواجز المنتشرة بالعودة لأن الاتفاق لم ينفذ بعد على أرض الواقع، حرصاً على سلامتها، وبعد تنفيذ الاتفاق تمكنت من الدخول إلى المنطقة. تقول شذا: كان تعامل الحواجز معنا جيداً، ودخلت إلى منزلي الكائن على أتستراد الحنبلي مباشرة، والذي يعتبر نقطة تماس بين طرفي النزاع (صلّحنا الباب وحطّينا نايلون على الشبابيك، في أضرار بالبيت، بس ما رح نقدر نرجع نقعد فيه، بلكي انهار الاتفاق بأي لحظة).

ليس شذا وأهلها من يتخوف من انهيار اتفاق المصالحة فقط، معظم سكان المنطقة يعيشون الهاجس نفسه، فلم يقوموا بإصلاح ما بقي من منازلهم ولا ينوون إعادة إعمار ما دمّر منها، ورغم أن المنطقة شهدت عودة معظم من استطاع ذلك من الأهالي إلا أن الحركة التجارية اقتصرت على بعض المحال التي اعتبرت أقل المتضررين من الحرب: بضع محال (سمانة) ومحل خضراوات وبعض الورش لتصليح السيارات.

(ملك ب) تقطن خلف مركز البحوث العلمية بالقرب من المقبرة، عادت إلى المنطقة، ولكنها لم تجد أي مَعْلم يدل على منزلها سوى ما تبقى من خزان مياه صغير، حيها الشعبي الذي كان يعج بالحياة لم تستطع تمييز أيّ من منازله التي أصبحت أثراً بعد عين.

أهالي برزة وجدوا بعض الحلول لمشكلاتهم المعيشية، فمن يملك منزلاً سليماً منهم ولا يقطن فيه يعطيه لمن لا مكان له، وخاصة أنه لا أمل في إعادة الإعمار في الوقت الراهن، ولا قدرة للفقراء منهم على دفع الإيجارات الباهظة التي يطلبها سكان المناطق الآمنة.

ولأجل تعزيز تلك المصالحة، لا بدّ للحكومة والقيّمين على إدارة تلك المناطق من نزع السلاح أولاً وقبل أيّ شيء من أيدي الجميع بلا استثناء، وبعد ذلك القيام بتأمين الاحتياجات الأساسية والخدمات بالسرعة القصوى، كذلك تأمين البُنى التحتية الأساسية، كالماء والكهرباء والخبز والمراكز الصحية، حتى لو كانت مراكز متنقلة. إضافة إلى تأمين المدارس للطلاب، لتقليل الأضرار التي لحقت بالمواطنين للحد الأدنى علها تفلح في تفادي الأزمات الناتجة عن الأزمة الحالية، وإلا ما الفائدة من اتفاقيات تظل على الورق ولا تطبق على أرض الواقع.

(المصالحة الوطنية)، هي البند الرابع من البنود التي طرحت في مفاوضات جنيف ،2 ويفسر هذا المصطلح التوافق الوطني الذي يهدف إلى تقريب وجهات النظر المختلفة، وسد الفجوات بين الأطراف المتخاصمة، وتصحيح ما ترتب عنها من أخطاء وإيجاد حلول مقبولة لها، بمنهجية المسالمة لا العنف.

العدد 1104 - 24/4/2024