تركيا أردوغان والحلم العثماني

إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، أصبح على رأس السلطة في تركيا مصطفى كمال (أتاتورك) أحد كبار ضباط الجيش العثماني المهزوم، وقام أتاتورك بمشروع تغريب لتركيا، فقطع كل علاقة لها مع الشرق الإسلامي، أغلق المدارس الدينية ومنع لبس العمائم والطرابيش والحجاب، وفرض لبس القبعة الأوربية، وغيّر حروف اللغة التركية من العربية إلى اللاتينية، وعمل كل ما بوسعه لتحويل تركيا إلى دولة أوربية! الشيء الوحيد الذي لم يستطع فعله أتاتورك هو نقل تركيا من مكانها باتجاه الغرب!

التحقت تركيا بالحلف الأطلسي بعد الحرب العالمية الثانية وأصبحت إحدى قواعده المهمة خلال الحرب الباردة بين المعسكرين، لكن تركيا وهي الدولة الزراعية الفقيرة بالمواد الأولية الصناعية، عانت من الفقر والبطالة والفساد السياسي نتيجة إلحاقها كدولة طرفية في العالم الرأسمالي، كما رفض الاتحاد الأوربي ضمها إلى السوق الأوربية المشتركة رغم الإلحاح التركي.

ثم جاءها الإسلاميون وجوهر مشروعهم كان إعادة إحياء علاقاتها القديمة مع الشرق، ويمثل حزب العدالة والتنمية الطبقة البرجوازية الصناعية التركية التي أنشأت صناعة وطنية تركية ضمن سياسة الغرب الصناعي بنقل الصناعات التقليدية المنسّقة إلى دول الأطراف، وقد ساهم في انتعاش تركيا الاقتصادي تفكك الاتحاد السوفييتي، فوجدت لصناعتها الناشئة أسواقاً رائجة في جمهورياته الإسلامية الجنوبية التي لا يفصل بينها وبين تركيا سوى البحر الأسود ويربطها بها روابط دينية وقومية.

لم تفكر تركيا بالتوجه إلى الجنوب إلا مؤخراً بعد يأسها من دخول السوق الرأسمالية العالمية عبر السوق الأوربية المشتركة، وبدعوة من الدولة السورية لإحياء تحالف استراتيجي جديد معها ومع العراق وإيران ليقف أمام المشروع الأمريكي (مشروع الشرق الأوسط الكبير) وفتحت أمام الصناعة التركية السوق السورية رغم ما كان في ذلك من ضرر على الإنتاج المحلي في محاولة لإغراء أردوغان بهذا التحالف! لكن أردوغان فضّل السير في المشروع الغربي الأمريكي ليحصل على حصة من الكعكة التي تريد الولايات المتحدة اقتسامها مع حلفائها الغربيين في منطقتنا، على أمل أن تصبح تركيا عقدة لالتقاء أنابيب الغاز من أواسط آسيا ومن شمال العراق ومن قطر ومن مصر ضمن مشروع خط نابوكو لنقل الغاز إلى أوربا.

شاركت تركيا أردوغان بقوة في المشروع الأمريكي، فعن طريقها دخل قسم كبير من مسلحي القاعدة إلى سورية آتين من شتى أنحاء العالم، وعن طريقها تم تسليحهم وتمويلهم وقيادتهم بهدف إسقاط الدولة السورية وتمزيقها، وقامت هذه المجموعات، بتشجيع منها، بنهب آلاف المعامل من الشمال السوري ونقلها إلى تركيا، لكن الذي لم يحسب حسابه أردوغان هو صمود الدولة السورية وتماسك الجيش السوري أمام الحملة التترية التي قادتها! ونتيجة ذلك تعاني تركيا الآن من أزمة سياسية بدأت بوادرها منذ فضيحة الفساد التي كان لابن أردوغان اسم فيها، ويبدو أن تعثر المشروع الأمريكي في المنطقة وفي سورية تحديداً سيساهم في تصعيد الأزمة السياسية التركية التي قد تؤدي إلى الإطاحة بأردوغان في الانتخابات القادمة إن صمد إلى تلك الفترة.

العدد 1102 - 03/4/2024