من الصحافة العربية العدد 621

هذان المجلسان … مصيبة الأمة والوطن

خلال الأيام الماضية نُكبنا وشعوب العرب، بنموذجين من الاجتماعات عبرت عن عمق أزمة النظام الرسمي العربي، ومن ضمنه، بل أحد نماذجه النظام السياسي اللبناني.

فالاجتماع الأول، أي اجتماع (قادة) الأمة العربية، عبر عن أزمة التبعية التي يعانيها العرب من خلال الارتباط السياسي والاقتصادي للعالم العربي بالغرب، وبشكل أساسي بالولايات المتحدة الأمريكية. هذه السياسة المستمرة منذ عشرات السنين مع أوربا ومن بعدها الولايات المتحدة.

سياسة (الأنظمة المعلبة) والمصنّعة لتنفيذ مصالح الخارج والبرجوازية العربية المرتبطة به، فقد كانت الدول ـ الدويلات المركبة، رشوة للعائلات والقوى الحاكمة من أجل تمرير سايكس ـ بيكو، وتمرير إنشاء الكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني بشكل خاص، وعلى حساب العرب بشكل عام.

في السابق، وخاصة بعد وفاة جمال عبد الناصر، كانت هذه الاجتماعات مؤلمة، تذكّر الشعوب العربية بتآمر الطبقة الحاكمة، البرجوازية العربية التابعة، مع الغرب والولايات المتحدة… هذا التآمر الذي أفرز ضياع الحق الفلسطيني، وأفرز الجوع والفقر والقمع للشعوب العربية الأخرى، ووضع الثروات العربية بتصرف المشاريع الأمريكية في منطقتنا وفي العالم.

نعم ضلّ المال العربي طريقه، فساهمت صناديق الخليج في تمويل الحروب على الشعب اليوغسلافي، وعلى الاتحاد الروسي عبر الشيشان، وفي دعم الحركات الفاشية في أوربا وأمريكا اللاتينية.

أثمر هذا المال العربي في كل أنحاء العالم… إلاّ في دعم الشعب الفلسطيني، بل الدقة تقتضي القول وخصوصاً (أثمر) في دعم أعداء شعب فلسطين وقضيتها وليس فقط في دعم أعداء فلسطين، بل في بذل الأموال والثروة العربية في دعم الردات في الكثير من الدول العربية، وصولاً إلى المال الذي يصرف لوأد الطموحات الشعبية التي برزت خلال انتفاضات الشعوب العربية في المرحلة الأخيرة، وفي محاولة تطويعها لصالح المشروع الأمريكي. إضافة إلى العمل المنسق مع الولايات المتحدة وإسرائيل في عسكرة المعارضات ودعم الإرهاب وإيصال بعض الدول العربية إلى حافة التقسيم والضياع كما جرى في ليبيا، ويجري في سوريا تحديداً.

نعم، سورية المهددة بالضياع عبر استمرار المعارك العسكرية، والإصرار على الحل العسكري من جهة، وعبر دخول الخارج عاملاً أساسياً في الصراع، وبضمن ذلك آخر مراحله الدخول الإسرائيلي في الجنوب، والتركي في الشمال، بما يوحي وكأن الرد على ما جرى في القلمون، يكون باللجوء إلى احتمال تقسيم سورية كحاجة إسرائيلية ـ أمريكية، وبما يؤشر إلى طبيعة التدخل الدولي في الشأن السوري، كبديل محتمل عن الضربة العسكرية التي تراجع عنها أوباما في اللحظات الأخيرة. وعوض أن تلجأ الجامعة العربية إلى تصحيح خطيئتها في السنوات الماضية وتحولها إلى طرف في الصراع السوري، عمّق الملوك والأمراء والرؤساء، خط الانحياز الذي يؤدي إلى تهميش أي دور عربي في الحل.

إن انحياز الجامعة العربية لصالح الجربا وائتلاف تركيا، وضعها في مجال ضيق حتى في مواجهة المعارضة الوطنية الديمقراطية، وليس فقط في مواجهة النظام. وحوّلها في أحسن حالاتها إلى أداة تعزز ميزان القوى في أية مفاوضات مقترحة وبيد الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً، وفي كل  الأحوال، ليست أداة مخيفة، بل البشع فيها هي رائحة الجيف التي تتكون منها.

***

وبالارتباط مع فكرة انحياز الجامعة العربية وتآمرها وفقدانها لأي إمكانية في لعب دور في الحل السياسي في سورية، يأتي موقف رئيس الجمهورية اللبنانية، الذي ضرب الحوار الذي يدعو له، وخرق حتى ما يعتبره قدس أقداسه، أي (إعلان) بعبدا… إن بقاءه مسمراً على كرسيه، عند إلقاء الجربا لخطابه، لا يمكن اعتباره إلاّ خرقاً لإعلان بعبدا (المقدس) ووأداً لطاولة الحوار إذا ما عقدت…

وبموازاة القمة المهزلة (والتي توازي عمق المأساة)، تأتي جلسات المجلس النيابي في إعطاء الثقة لحكومة لبنان.

باختصار، ناقش نواب لبنان كل شيء، إلاّ الذي يستطيعون تنفيذه أو المطلوب منهم تنفيذه على الأقل.

ركزت كلماتهم على انتخابات رئيس الجمهورية، وهم يعرفون أن لا دور لهم فيها، وهم الذين لم يكن لهم دور حتى في وجودهم كنواب، لا في مرحلة المجلس الأولى ولا الممدد لها.

كما ركزت على الموضوع السوري، ودخول اللبنانيين طرفاً فيه، وأيضاً هم أدرى بأن هذا الأمر أكبر من قدراتهم على التنفيذ وعلى التفكير لدى معظمهم.

طبعاً مروا مرور الكرام على الاعتداءات الإسرائيلية، ليس بذاتها، بل لتشكل جسر عبور لحديثهم حول سورية.. وحتى في هذا الموضوع يعرف معظمهم أن لا دور له في إطار مقاومة الإعتداءات، إن لم نقل إنهم منحازون ضد مقاومتها.

تحدثوا عن كل هذه الأمور، وفاتهم الحديث عن (صغائر الأمور).

إن مصلحة مئات آلاف اللبنانيين، من ذوي المصلحة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب، لم تكن همّاً أمامهم وفي كلماتهم العظيمة.

إن مشكلة المياه وارتباطها بوضع الزراعة والمزارعين خصوصاً مع شح المياه هذا العام أيضاً ليست همّاً.

الكهرباء والفواتير الثلاثة التي يدفعها اللبنانيون، تهمّ شعباً آخر غير الشعب الذي ينتخبهم..

والفساد، المستشري في كل زاوية من زوايا البلد وفي كل وزارة من وزاراته، لا شأن لهم بمعالجته، كيف لا ومعظمهم طرف مباشر  أو  غير مباشر فيه.

وقانون مكافحة العنف ضد المرأة، ليس مسؤوليتهم، وكيف لهم أخذ موقف يدافع عن حق المرأة بما يزعج رجال الدين؟

والأمن المنفلت من عقاله، شمالاً وبقاعاً وآخر مراحله في العاصمة، لا يعنيهم إلاّ بمقدار ارتباطه بالأزمة السورية وليس بمصالح المواطنين اللبنانيين… حتى ولو أدى هذا  الأمر إلى ضرب وحدة الجيش وتماسكه وهيبته.

لا نتحدث حكماً عن الإصلاح السياسي، فهذا ليس من اهتمامهم، خاصة أن هذا الإصلاح هو ضد المصالح المباشرة للقسم الأساسي منهم.

هذان الاجتماعان، العربي واللبناني، يدفعان للدعوة، للاكتفاء بذلك وللقول: لا  تتحفونا باجتماع ثالث على هذا المستوى من (المسؤولية والعمق)، فلسنا بحاجة إلى سماع خطاباتكم مجدداً، وعليه فإن الدعوة للحوار بين القوى نفسها الموجودة في الحكومة ومجلس النواب، لا يمكن أن ينتج حلاً ولا يمكن أن يكون مدخلاً لحل أزمة البلد..

الحوار الوطني المطلوب، في مكان آخر، وعلى أسس أخرى، وحول قضايا أعمق تطول مصير الوطن والشعب ووجودهما.

د. خالد حدادة

افتتاحية العدد 431 من مجلة (النداء)

29/3/2014

بالتزامن مع جريدة (السفير)

العدد 1105 - 01/5/2024