القرم إلى حضن الوطن الروسي

تزامناً مع عودة يبرود وقلعة الحصن إلى حضن الوطن السوري، ها هي ذي شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبل تعود إلى حضن الوطن الروسي، بعد ستين عاماً من قرار خروتشوف رئيس الاتحاد السوفييتي السابق آنذاك بضم القرم لأوكرانيا  في عام 1954. ألف مبروك للشعب الروسي الشقيق هذا الإنجاز الكبير، فقد صادق على قانون الانضمام إلى روسيا كل من مجلس الدوما ومجلس الاتحاد الروسي يوم 20/3/،2014 وقد وقّع بوتين هذا القانون رسمياً، وشهدت الساحة الحمراء تجمعات شعبية احتفلت بهذه المناسبة الوطنية الكبيرة وإطلاق الألعاب النارية في سماء موسكو وسماء مدينة سمفروبل لؤلؤة القرم.

انتهاء سياسة ازدواجية المعايير والقطب الواحد

إن هذه الخطوة التي اتخذتها روسيا باعترافها بنتيجة الاستفتاء لشبه جزيرة القرم، تجسد مفهوم احترام حق الدول في تقرير مصيرها، وأن هناك قوة عظمى غير الولايات المتحدة الأمريكية في العالم تملك قوة الحق هي روسيا وحلفاؤها. وليس غريباً أن تكون ردة فعل الغرب والولايات المتحدة بهذه الوقاحة، فمنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، أخذ الغرب يسيد ويميد دون أن يردعه أحد، فبدأ التحول بصمود سورية الأسطوري، وبدعم أصدقائها المخلصين بوجه أعتى هجمة إمبريالية شرسة في التاريخ.. هذا الصمود أعطى روسيا وحلفاءها مفاتيح تغير المعادلات الدولية، وتوّج روسيا بقيادة فلاديمير بوتين دولة عظمى بكل المقاييس، ليتشكل محور جديد يستطيع أن يرفع حق النقض (الفيتو) على كل قرار يخالف الشرعية والقوانين الدولية.. وهذا ما تحدثت عنه صراحة رئيسة الأرجنتين ورئيس فنزويلا فيما يخص انتزاع كوسوفو من الصرب، وجزر الفوكلاند الأرجنتينية، التي ضمت إلى المملكة المتحدة.

مئة عام على اندلاع الحرب العالمية الأولى.. هل تتكرر المأساة؟

تتصادف هذه الأحداث مع حلول الذكرى المئوية لاندلاع الحرب العالمية الأولى التي اندلعت بنهاية شهر حزيران عام 1914 عندما اغتيل ولي عهد النمسا في سراييفو. فاتهمت النمسا الصرب باغتياله وبدأت الحرب، بهذا السبب المباشر ، أما الأسباب غير المباشرة فكان أهمها: نشوء النزاعات القومية، بناء قوة حربية جديدة، التنافس على المستعمرات، التحالفات العسكرية.

إذا نظرنا بتمعن إلى الوضع الدولي الآن، أليس هذا الوضع شبيهاً بما ما كان عليه عشية الحرب العالمية الأولى؟ فقد كان حينذاك محوران دوليان هما: محور الحلفاء ومحور الوسط.. اليوم محور الحلفاء يتمثل بـ(روسيا وإيران وسورية ودول البريكس وغيرها)، ودول الوسط يتمثل اليوم بكل من (أمريكا والاتحاد الأوربي وتركيا والكيان الصهيوني والرجعية العربية وغيرها).

يمكن القول: نحن في أجواء حرب عالمية ثالثة بكل المعايير، وقد تندلع هذه الحرب في كل لحظة، فقوى الشر الرأسمالية تزداد توحشاً وأزمتها الاقتصادية تزداد عمقاً، وهي تحفر قبرها بيدها، فالعالم كله يغلي بنزاعات شتى، قومية وعرقية وطائفية وطبقية، سياسية واقتصادية واجتماعية، وكذلك أتخم العالم بترسانات عسكرية كبيرة نووية وعابرة للقارات وغيرها، وهناك صراع وتنافس اقتصادي ظاهر وخفي فظيع بين الغرب وأمريكا من جهة، وروسيا والصين وحلفائهما من جهة أخرى.

إن الاتحاد الأوربي حالياً هو اتحاد للرأسمالية والإمبريالية بشكلها الجديد، هو اتحاد قطعان الذئاب والضباع لتقاسم الغنائم والفتك بالصغار والضعفاء.

يعتقد بعض المتابعين أن نهاية هذا الاتحاد قريبة جداً وبداية النهاية من أوكرانيا واليونان، فبلدان الاتحاد وشعوبه تعيش توتراً، قد ينفجر في أي وقت.. ففي إسبانيا مظاهرات الكرامة تحت شعار: خبز وعمل وسقف للجميع، لا لتخفيض ميزانية التعليم والصحة، فالرأسمالية عاجزة عن حل المشاكل المعيشية والاجتماعية، بسبب طبيعة النظام الرأسمالي الإمبريالي، إضافة إلى ذلك فإن  النزاعات والخلافات بين المواطنين الأصليين والمهاجرين في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها، ستكون سبباً في تفتت هذا الاتحاد.

إن القوى الفتية والصاعدة لن تقبل أن تكون على الهامش، وخاصة بعد امتلاكها للقوة الاقتصادية الأساسية وهي الطاقة والغاز، فالظروف الموضوعية والذاتية تجري لصالح روسيا، التي هي اليوم أقوى من أي وقت مضى على الإطلاق، اقتصاديا وعسكرياً، والأهم من هذا وذاك الالتفاف الشعبي العارم حول قيادة الرئيس بوتين، الذي أعاد للروس عزتهم الوطنية والقومية.

لقد تغيرت خريطة العالم بالتأكيد وتغيرت موازين القوى، بسبب هذه اللحظة التاريخية التي يعود الفضل فيها لصمود الشعب السوري العظيم، فستبقى سورية  قبلة للمقاومين والصامدين والأحرار، وفيتنام القرن الحادي والعشرين ، شاء من شاء وأبى من أبى!

العدد 1105 - 01/5/2024