في الأزمة السورية.. الاتجار بالبشر

يعد الاتجار بالبشر شكلاً من أشكال الجريمة الدولية المنظمة التي تدرّ مليارات الدولارات وتمثّل الاسترقاق في العصر الحالي، ويعرف بأنه (تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو إساءة استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال). وتختلف طرقه وتتباين أساليبه بين الاتجار لأغراض السخرة والخدمة قسراً أو للاستغلال الجنسي بأشكاله المختلفة؛ أو بدافع الاتجار بالأعضاء البشرية، وبغض النظر عن الوسائل وتعدد الأنواع إلا أن الاتجار بالبشر يصب في خانة هدف واحد وهو الربح المادي فقط.

فالاتجار بالبشر جريمة بكل صوره وأبعاده، ويعتبر امتهاناً لكرامة الإنسان ويمثل انتهاكاً صريحاً لحقوق الإنسان التي نصت كل الشرائع السماوية والدساتير الوطنية والمواثيق الدولية على وجوب احترامها، واليوم تحول الاتجار بالبشر إلى ظاهرة دولية تتعدى الحدود السياسية للدول مستغلة تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية، فالضعف في حماية الحدود والاختلاف السياسي والفقر والبطالة وفقدان الأمن الاجتماعي بالنسبة للنساء والأطفال، كلها عوامل تساعد المنظمات الإجرامية على انتهاز الفرصة للمتاجرة بالبشر، مع الإشارة إلى أن النساء والأطفال يعدون طريدة سهلة للمتاجرين، فيستغلون فقدان الأمل والإحباط في الحياة اللذين يسيطران على الكثيرين، ويقدمون لهم الوعود بالمأوى والغذاء والمال وتأمين العمل، ولكن في المقابل يتم تجنيدهم ونقلهم وبيعهم للقيام بجميع أشكال الأعمال القسرية والعبودية.

لقد فرضت هذه الظاهرة نفسها على الأجندات الدولية لانتشارها في بؤر شتى من المعمورة، ولم تكن سورية بمعزل عن هذه المنظومة الدولية، فقد تحولت إلى مسرح خصب للعصابات والجماعات التي تعمل على الاتجار بالبشر على اختلاف أنواعه مستغلة تردي الأوضاع الأمنية على مدى الأعوام الثلاثة من الحرب التي تشهدها البلاد، فنشطت الظاهرة بشكل ملحوظ في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة مستفيدة من فلتان الحدود مع دول الجوار وانتشار السلاح بين السواد الأعظم من المواطنين، حتى باتت قضية الخروج والدخول من بعض المناطق المحاصرة بحاجة إلى تقديم (ضحية) بشرية لإمتاع البعض وإذلال البعض الآخر، فبات الاتجار بالبشر يشكل كارثة إنسانية يستدعي دق ناقوس الخطر والعمل الفوري على تطبيق الاتفاقيات وتفعيل المرسوم رقم 3 لعام 2010 لمكافحة الاتجار بالأشخاص وعدم التهاون في ذلك تحت أية ذريعة أو حجة.

ختاماً: من يتصدى لتواطؤ بعض ذوي النفوس الضعيفة من المعنيين مع تجار البشر في سورية؟

العدد 1105 - 01/5/2024