هل السلطة القضائية مستقلة؟

مبدأ استقلال السلطة القضائية من المبادئ المهمة والحيوية التي تتعلق بحقوق الإنسان والحريات المدنية .فالسلطة القضائية لها دور فاعل في بناء أسس العدالة الاجتماعية وترشيد السلطات وإرساء الثقة ما بين المواطن والدولة ، والحفاظ على منظومة الحقوق التي تكفل التعايش السلمي للمجتمع، فهو وسيلة لتسوية المنازعات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها بطرق سلمية ، فهي السلطة المختصة بتطبيق القانون وتحقيق العدالة من خلال المحاكم التي غرضها الأساسي العدل والعدالة ، بالعمل على تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع أمام القانون، وافتراض البراءة، والحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مختصة مستقلة نزيهة مشكلة وفقاً للقانون .

فالحكم العادل يعيد توازن المصالح في المجتمع ويتحقق ذلك بإعطاء القضاء حرية اختيار الأساليب والآليات الخاصة بتطبيق الأحكام، والفصل في القضايا المعروضة عليها دون تحيز، على أساس الوقائع ووفقاً للقانون، ودون أي تقييدات أو تأثيرات غير سليمة أو إغراءات أو ضغوط أو تهديدات من أي جهة كانت. فالقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم وتطبيقهم للقانون، فلا يجوز لأي سلطة التدخل في القضايا أو في شؤون العدالة .

لذلك فإن مبدأ استقلال القضاء له صلة وطيدة بالحقوق المدنية للإنسان، الثابتة في العهود الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما نصت عليه مبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلال القضاء (تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية، وينص عليه دستور البلد أو قوانينه ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام استقلال السلطة القضائية ومراعاته) وأيضاً ما نص عليه مؤتمر القاهرة: (النظام القضائي المستقل يشكل الدعامة الرئيسية لدعم الحريات المدنية وحقوق الإنسان وعمليات التطوير الشاملة والإصلاحات في أنظمة التجارة والاستثمار والتعاون الاقتصادي الإقليمي والدولي وبناء المؤسسات الديموقراطية). فالغالبية العظمى من دساتير العالم قد نصت صراحة على استقلال القضاء، وهذا ما أكده الدستور السوري في المادة 132: (السلطة القضائية مستقلة، ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال ويعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى). وأيضاً المادة 133: ( يكفل مجلس القضاء الأعلى توفير الضمانات اللازمة لحماية استقلال القضاء).

فاستقلال السلطة القضائية يعزز مبدأ المشروعية وسيادة القانون وتنفيذه بضمان سير الإجراءات القضائية بعدالة واحترام حقوق الأطراف، وتتيح للأفراد مقاضاة السلطات  العامة في أي تصرف مخالف للقانون، ويعزز هيبة القضاء، ويضع الجميع تحت طائلة القانون، فهو ضرورة حضارية وعصرية تحمي مصالح المجتمع بصورة دائمة، ويساهم في التنمية البشرية، ويساهم في الحفاظ على الموارد المالية والحد من تلاعب السلطة الحاكمة ومن يرتبط بها، والإثراء على حساب الأموال العامة، فلا سلطان على القضاء سوى مقتضيات العدالة، فهو الضمانة القوية لسلامة تطبيق القانون بحيادية وموضوعية.

وبما أن مبدأ فصل السلطات ركن من أركان بناء الدولة الحديثة والصورة الحقيقية للديمقراطية وهو الضمانة لاستقلال القضاء، لكن ذلك لم يكن استقلالاً حقيقياً اتجاه سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية، فهناك تشريعات تحجب الحق بالتقاضي، وهذا ما يسلب القضاء اختصاصه والعهد به إلى جهات غير قضائية، وأيضاً حجب منح الأسباب المخففة التقديرية، وأيضاً نقل القضاة وعزلهم.

وتؤثر السلطة التنفيذية على استقلال القضاء، فهي تتدخل في تعيين القضاة وترفيعهم ومساءلتهم مسلكياً، وتعطيل تنفيذ الأحكام القضائية بمواقف سلبية، ويؤثر على استقلال السلطة القضائية أيضاً التدخل غير القانوني في أعمال القضاء وتسييسه وتسخيره والضغط عليه لتوجيه إجراءاته وأحكامه بحسب المصالح الذاتية أو الجهوية، مثل (تدخل مسؤولين وهيئات حكومية، وأمنيين، وقوى حزبية، ووسطاء، والرشوة والمحسوبية) وأيضاً الضغط على المتهمين لتوجيه إفاداتهم توجيهات معينة.

ما يهمّنا لضمان استقلال السلطة القضائية تفعيل دور القانون وتطبيقه بالتساوي بين المواطنين ومنع أشكال الاستبداد في السلطة القضائية، على أساس أنها وسيلة لخدمة الإنسان، لا لاضطهاده.

 

العدد 1105 - 01/5/2024