البرمجة اللغوية العصبية وتطوير الموارد البشرية

 في اللغة الصينية يُعبَّر عن الأزمة بمصطلح Ji-Wet) ) هي عبارة عن كلمتين: الأولى تدل على (الخطر) والأخرى تدل على (الفرصة) التي يمكن استثمارها.

 ومن مبدأ ألا نقف عند الخطر بل أن نسعى لتحويل الأزمة إلى فرصة للنمو ولإطلاق القدرات الإبداعية، وأنَّ الإنسان هو الهدف لأنه هو محرك الحياة في مجتمعه ومنظّمها وقائدها ومطوّرها ومجددها، وعلى اعتبار أن رفع سوية التواصل مع الذات ومع الآخر، على أسس علمية، خطوة لبناء جسور جديدة من العلاقات بين الناس، خاصة في الوضع الراهن الذي نعيش فيه، نظمت كنيسة مار إلياس في صحنايا دورات تدريبية للبرمجة اللغوية العصبية لمستويات عمرية مختلفة من الشباب. قام بالتدريب المدربَان سارية سويد وأحمد العلي المعتَمدان من مؤسسة إيلاف ترين الرائدة في تطوير الموارد البشرية، ومما يستحق الوقوف عنده أن التدريب كان مجانياً والكلفة فقط ثمن الشهادة لمن يرغب.

التدريب كان لمجموعتين من الشباب الجامعي، ولمجموعة ثالثة تخوض غمار العمل، بعد الدورة وفي استطلاع سريع للرأي (ماذا تعلمتم؟) جاء في الإجابات:

(أحببت أني أستطيع أن أجعل الوعي لدي يتحكم في اللاوعي، وفي الطاقة التي أمتلكها، كنت أخاف أن أخطئ وتعلمت ضرورة روح المبادرة.. من أهم ما تعلمته أنني مسؤولة 100% عن حياتي وكل من حولي، وأني ودّعت كلمة (ما دخلني) و(لا يعنيني) وأصبحت لدي طرق جديدة لأفعل ما أريد…أهم ما تعلمته أن الإنسان يجب ألا يتوقف عن التعلم وكل توقّف فيه تخلف… وأنا عملياً بتّ أعرف نفسي أكثر وأعرف أين الخطأ لأصلحه… تعلمت أنه من المهم أن نمتلك أدوات تساعدنا في إيصال أنفسنا وأفكارنا بطريقة صحيحة للآخرين.. تعلمت أنه من الضروري أن أكون صاحب رؤية بعيدة المدى… وأن أنظم أهدافي ضمن خطة زمنية واضحة بعيداً عن العشوائية).

المُدربان كان لهما الحصة الأوفر من الأسئلة… بدءاً من المدرب أحمد العلي وهو مؤسس مجموعة تدريبية:

 ما هي البرمجة اللغوية العصبية؟

 (تقول البرمجة اللغوية العصبية إن لكل إنسان طريقته الخاصة في التفكير، وهذا الاختلاف في التفكير يعود إلى كيفية حصول الإدراك للعالم الخارجي. والبرمجة اللغوية العصبية هي فن الاتصال مع الذات ومع الآخرين، وهي فن صناعة النجاح، لذلك تقدَّم دورات البرمجة اللغوية العصبية بهدف الخير والفائدة للنفس وللآخرين، وتمتد تطبيقاتها إلى جميع جوانب النشاط الإنساني (التربية والتعليم، تطوير الأداء، تطوير الشخصية، الإدارة والأعمال، الفنون، الرياضة، الجوانب الشخصية والأسرية والعاطفية…إلخ) وهي تقدم معلومات مكثفة حول الإنسان أولاً وقدراته وكيف يستطيع أن يتعرف على ذاته ومهاراته وكيفية توجيهها، وكيف يستطيع استثمار قدراته أفضل استثمار ليصل إلى التميز الذاتي. ثانياً تقدم معلومات عن طريقة التواصل مع الآخرين، كيف يفكرون وماذا يفضلون وكيف يتم التأثير فيهم للوصول أخيراً إلى الحصيلة الإيجابية. وكذلك تمتلك حزمة كبيرة من الأدوات والتقنيات التي هدفها تنمية مهارات الفرد النفسية على الأصعدة كافة، وتدريبه على حسن التواصل مع الآخرين الذي يعد من الدعامات الأساسية لأي نجاح).

 كيف ترى أهمية دورات التنمية البشرية على صعيد الشباب عامة وفي ظل الأوضاع الراهنة خصوصاً؟

  (التنمية البشرية وسيلة المجتمع في النهوض، خاصةً في وسط الشباب، الذين يُعدون هدف التنمية، ووسيلتها لذلك، ومن هنا فإنه لابد من الإدراك أن التنمية هي توسيع خيارات الناس، كما يُشير إلى ذلك تقرير التنمية البشرية 1990. إذاً فنحن بحاجةٍ إلى إفساح المجال أمام خيارات الشباب الذين يُمثلون غالبية المجتمع، وهؤلاء قوة اقتصادية، اجتماعية، إذا لم تستغل في صالحها، وصالح المجتمع، فإنها تتحول من قوة ذات نفع لها وللمجتمع إلى العكس تماماً. لاسيما في الظروف التي يمر فيها الشباب السوري الآن، فهم يحتاجون أكثر من أي وقت مضى إلى أن يدركوا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ليثقوا بأنفسهم وقدراتهم وتنمية كل ما يملكون من مهارات وقدرات، بالتالي القدرة على الخروج من أزمتنا بأقل الخسائر، خصوصاً أننا نمر بأربع أزمات حاسمة: أزمة فكر ووهوية وقناعات عن الذات والآخر، أزمة قدوات، أزمة سلوك، أزمة تعليم وثقافة، وقد وثّقت كل مراكز الأبحاث تقريباً أن الفئة الأساسية التي يجب التركيز عليها للخروج من الأزمات هي فئة الشباب، وهذا الشباب يحتاج بلا شك إلى أن ينمّي ذاته ويرقى بها حتى يقود طريق النهوض).

 ما هي أهمية الدورات التدريبية العملية عامة وفي مجتمعنا السوري اليوم خاصة؟ وجهنا هذا السؤال للمدرب سارية سويد الذي يعمل مديراً للموارد البشرية بشركة تجارية، إضافة إلى التدريب:

 (أصبح التدريب حاجة ملحّة في هذا العصر، فقد أصبح التعليم نظرياً بالمجمل ولا يلامس المهارات العملية لدى المتعلمين، ومن المعلوم أن زمن المعلّم الذي يحتك به طلابه ويتعلمون منه المهارة والخبرة العملية قد ولّى. إن التطور السريع الذي يمر به العالم قد أنتج مسميات جديدة لعلوم قديمة حديثة منها (التنمية البشرية) وهو إجمالاً كل ما يهتم بتطوير إمكانات الإنسان وقدراته وتنميتها وتحسين حياته وخياراته في جميع الميادين. فهناك دول ليس لديها وفرة في (الموارد الطبيعية) ولكنها تستثمر الكثير في بناء الفرد (الموارد البشرية) بناءً نوعياً مما يعطيها القوة والتميز ومن أبرز هذه الدول اليابان المعروفة بتطورها. إن هذا التدريب يرفع من قدرات الإنسان العقلية والنفسية والاجتماعية ومن مهاراته العملية….. وذلك من شأنه أن يزيد في الفرص المتاحة للأفراد وخصوصاً الشباب الذي لم تعد الشهادة الجامعية هذه الأيام وحدها كافية لدخوله في سوق العمل، وحتى أن تدريب الشباب يخفف كثيراً من المشاكل التي تواجهه عند العمل ويزيد من كفاءته ومن فرص تطوره وارتقائه الوظيفي.)

 ما هي رسالتكم كمدربين بشكل عام؟ ولماذا تقدمون دورات كهذه مجاناً أو برسوم زهيدة مع العلم أنها ذات كلفة عالية ولم تكن متوفرة لجميع الناس؟

 (في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها بلدنا، يجب أن نشير إلى أنّ حاجتنا وحاجة الشباب السوري إلى التنمية البشرية بمختلف مجالاتها أصبحت أكثر إلحاحاً لتسريع عملية إعادة بناء الوطن بكل ما تحمله كلمة البناء من معنى، وخصوصاً البناء النفسي للكثيرين ممن واجهوا ظروفاً قاسية. اليوم هناك الكثير من الهيئات والمؤسسات والجهات التي تدرب مجاناً في سورية أو حتى برسوم زهيدة جداً – آخذين بعين الاعتبار أنّ (التدريب) عادةً مكلف – وذلك تقديراً منها للظروف التي يمر بها الناس وتقديراً منهم للمهام الملقاة عليهم والمسؤولية الكبيرة التي يحملونها في البناء الجديد.

أما التدريب المجاني بالنسبة لي: فعندما بدأت باتخاذ طريق التدريب كان هدفي التعرف على العلوم الحديثة التي أستطيع من خلالها مساعدة الآخرين ونشر كل ما هو مفيد بطريقة حديثة وممتعة ومؤثرة. فقد كنت أشعر بالحزن عندما أرى أن الأفكار الرخيصة والأمور التي ليس لها قيمة وحتى الأفكار الهدامة تشهد إقبالاً كبيراً ويُستخدم في ترويجها وجعلها جزءاً من طبيعة وثقافة مجتمعنا كلٌّ الإمكانات والطرق الحديثة والجذابة. فأحببت أن أتعرف في البداية على نظريات التعلم والطرق الجديدة في إيصال المعلومة بفاعلية، ثم تطوّرت الأمور لأصبح مدرباً، وحتى اليوم أعمل على تطوير نفسي لإيصال كل ما هو نافع إلى أكبر شريحة من المجتمع وخصوصاً الشباب حتى إن كان مجاناً، فهناك كثير من الأشخاص عندهم الرغبة في التعلم ولكن تقف الظروف المادية الحالية حائلاً بينهم وبين التدريب. واليوم لا أجد نفسي صاحب فضل بهذا، بل على العكس فواقعنا اليوم يفرض علينا أن نعطي بكل ما نملك لا من باب الرفاهية ولكن من باب الواجب، فلا منّة لأحدٍ اليوم، وإنما هو مصلحة للجميع أن يقدّم ما يستطيع لأجل أبنائه وأحفاده لأنهم هم سيحصدون ما نحن نزرع وما يزرع غيرنا، ونحن نرى اليوم ونحصد مصائب كثيرة هي نتاج تراكمات ماضية).

ويبقى الأمل في غدٍ أفضل، غدٍ نزرع له اليوم شباباً عندهم رؤية واضحة للغد، عندهم أهداف في خدمة مجتمعه، عندهم حب لأنفسهم وللآخرين وللوطن.

العدد 1105 - 01/5/2024