جريمة الامتناع أو الترك في القانون السوري

الجريمة ظاهرة اجتماعية ظهرت بظهور الإنسان ولها تكاليف باهظة لتهديدها الحياة البشرية واستقرارها، مما يؤدي إلى إعاقة حركة الإنسان والحد من حرياته، وهذا ما ينعكس على التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وهي سلوك اجتماعي منحرف لا يستقيم مع القيم الاجتماعية.

 والمجرم هو ذلك الشخص الذي خالف مبادئ سلوكية معينة عدّها المجتمع الذي يعيش فيه مضرة به وبالفرد، ويعاقب عليها بجزاء حددته قوانين ذلك المجتمع.فأغلب القوانين لم تورد تعريفاً للجريمة وإنما ذكرت عناصر الجرم أبرزها العنصر المادي ويتمثل بالفعل أو الترك.

والنتيجة الجرمية تتمثل بحدوث النتيجة المرتبطة بالفعل المراد إحداثها والرابطة سببية بين الفعل أو الترك وبين النتيجة.

لأنه لا سلطان للقانون على ما يدور في ضمائر الأفراد من أفكار وما يضمرون من عزائم ونيات ما لم تبرز إلى العالم الخارجي بأفعال تترجم عنها، لذلك فالسلوك الإجرامي يكون إما القيام بفعل يجرّمه قانون العقوبات أو الامتناع عن أداء واجب يأمر به القانون.

 فجريمة الامتناع تعتبر معوقاً في البناء النفسي للمجتمع وحائلاً دون تقدمه، لاتخاذها صوراً أو حالات الأنانية واللامبالاة. ويكتسب الامتناع بوصفه سلوكاً إجرامياً أهميته القانونية باعتباره قوة سببية تدفع إلى إحداث آثار قانونية خارجية مثل الامتناع عن الإدلاء بشهادة أمام القاضي  الامتناع عن دفع دين النفقة المحكوم بها جريمة الامتناع عن تسليم الطفل لمن له الحق في الحضانة جريمة عدم التبليغ عن المواليد والوفيات. هنا الجاني يدرك الموقف الذي اتخذه من إحجامه القيام بعمل يستجوبه القانون.

فالامتناع له عدة عناصر:1-الإحجام عن أداء عمل معين حددها) المشرع-2-وجود واجب يفرضه القانون.

لم يفرّق المشرع السوري بين السلوك الإيجابي والسلوك السلبي في وقوع الجرائم، ويستحق الفاعل العقاب سواء ارتكب الجرم بعمل إيجابي أو بالترك أو الامتناع، فقد نص قانون العقوبات السوري على مبدأ هام: (تعد الجريمة مقصودة وان تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة). وأيضاً (تكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين وكان في استطاعته أو من واجبه أن يتوقعها)، فهذه النصوص ساوت بين الجرائم المقصودة والجرائم غير المقصودة التي تنجم عن الفعل، أو عدم الفعل أي عن سلوك إيجابي أو سلوك سلبي يتمثل بالترك أو الامتناع، فالممتنع يكون مسؤولاً جزائياً إذا حصلت النتيجة غير الشرعية بسبب حالة أوجدها بنفسه.

ما ذهب إليه المشرع السوري توافق مع التشريعات العقابية المعاصرة، وهذا اتجاه تفرضه السياسة العامة لمكافحة الجريمة التي من مقتضاها عدم ترك أي فسحة للجناة كي يتخلصوا من العقاب بدعوة أن ما قاموا به امتناعاً وليس فعلاً إيجابياً. لكن ذلك لا يتماشى مع تطور العصر، فجرائم الامتناع تحتاج إلى المزيد من التخصص في أبواب المخالفات بالترك حسب المواضيع الهامة والحديثة خاصةً كالترك أو الامتناع في جرائم تلويث البيئة أو غسيل الأموال أو جرائم الحاسب الآلي والإنترنت والاتصالات وما يتبعها من جرائم سياسية واقتصادية وإدارية وطبية وتعليمية، وكذلك التجديد في العقوبات المفروضة على هذه الجرائم حتى لا يستطيع أي شخص الإفلات من العقاب، وكذلك قبول الشكاوى بجرائم الامتناع.

العدد 1105 - 01/5/2024