العلاقات الخليجية ــ الصهيونية في ظل «الربيع العربي»

ذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية في عددها الصادر بتاريخ 1نيسان 2014 أن تلاقي المصالح قد يؤدي إلى التعاون بين إسرائيل ودول الخليج، موضحة أن الاجتماعات التي عقدها مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون في القدس المحتلة في 30 آذار 2014 أظهرت إمكانية تعزيز التعاون الأمني بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية. وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن هذه الفكرة، التي كان لا يمكن تصورها قبل بضع سنوات في الأساس، أصبحت الآن أكثر قبولاً بسبب القلق من البرنامج النووي الإيراني، إلى جانب الفوضى في سورية، واضطراب الأوضاع في مصر. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين قولهم إنه (بالرغم من أن السعودية ودول الخليج الأخرى تعتبر إسرائيل منذ فترة طويلة أكبر عدو في العالم العربي، إلا أن صعود التهديدات المشتركة خلقت طابعاً ملحاً جديداً لإيجاد أرضية مشتركة).

ونقلت (نيويورك تايمز) عن رئيس هيئة الأركان المشتركة في وزارة الدفاع الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي، عقب انتهاء لقائه مع نظرائه الإسرائيليين في نهاية شهر آذار 2014 أن المناقشات (شملت التواصل مع الشركاء الآخرين الذين لم يكونوا على استعداد للشراكة في الماضي). وأضاف ديمبسي أن (ما أعنيه هو دول الخليج على وجه الخصوص). ويؤكد مسؤولون عسكريون أمريكيون أن (التعاون يشمل تبادل المعلومات الاستخبارية، وتمارين مشتركة لمكافحة الإرهاب، والبحث في كيفية أن تعمل القوات الإسرائيلية والسعودية معاً على تدريب مقاتلي المعارضة السورية)، وفق ما نقلت (نيويورك تايمز). ويرى الباحثون الإسرائيليون أن التوجهات الاستراتيجية الإسرائيلية- الأمريكية في الخليج العربي يمكن تطويرها وفق مبدأ إشراك الحكومات الصديقة للولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي من خلال شراكة استراتيجية إقليمية بشكل يحقق لإسرائيل المزيد من النفوذ السياسي والأمني في الخليج، وعلى الجانب الآخر تهدف إسرائيل إلى العمل على تحييد موقف الدول الخليجية من القضية الفلسطينية وعملية السلام بصفة عامة، وتالياً إضعاف عناصر التفاوض العربية مع إسرائيل. وعلى الجانب الاقتصادي، تهدف إسرائيل لاستغلال السوق الخليجية التي تتميز بقوتها الشرائية العالية لتصريف سلعها وتنفيذ المزيد من المشروعات المشتركة في مجالات السياحة والزراعة والأجهزة الطبية وتحلية المياه بشكل يساعد على الدمج بين النفط الخليجي والأموال العربية والتكنولوجيا الإسرائيلية، وتدرك إسرائيل أيضاً أن الدعم المالي لأي مواجهة أو حرب أو مقاومة للاحتلال يأتي – بالدرجة الأولى- من منطقة الخليج الغنية، وأن النفط العربي لعب دوراً في حرب 1973 ويلعب دوراً أخطر في الوقت الراهن، مع ارتفاع أسعار النفط إذ يقترب البرميل من حاجز المئة دولار، وتسعى إلى الحصول على حاجاتها النفطية من الغاز الطبيعي من هذه المنطقة، بل لاتستبعد المشاركة في مشاريع استخراج النفط الخليجي.

وثمة تقاطع كبير في المصالح بين الدول الخليجية عموماً وإسرائيل، لاسيما بالنسبة للأحداث المأساوية التي تعصف بأكثر من دولة عربية، تسعى الدول الخليجية بغالبيتها وإسرائيل لنشر الفوضى والاضطرابات فيها، وتؤكد دراسة أعدها الكاتبان يوئيل جوزنكسي وعوديد عاران، تحت عنوان (قطر والربيع العربي) قوة قطر المتصاعدة والسياسة الخارجية المتميزة التي تبنتها وتدخلها بشكل فعال في معظم بؤر الاضطرابات في المنطقة. وركزت الدراسة على دور قناة الجزيرة في تنفيذ أجندة قطر السياسية، مؤكدة أن هذه الشبكة بالنسبة لقطر أداة رئيسية للتأثير حيث ترضي زعماء معينين حتى من خارج العالم العربي وتنتقد آخرين يدركون مدى قوة برامج القناة في الرأي العام، كعامل ضغط من أجل تغيير سياستهم تجاه قطر. وقد (أكد الإسرائيليون في الدراسة التي أعدوها حول دور قطر في ثورات الربيع العربي أن المشاركة القطرية في الثورات كانت مبهرة، فقد ذكرت أن قطر ساعدت في إسقاط نظام القذافي من خلال الدفع إلى عملية الناتو العسكرية في ليبيا؛ بل وأرسلت إلى جانب الإمارات العربية المتحدة ست طائرات مقاتلة كمساعدة رمزية لجهود الناتو لفرض الحظر الجوي على ليبيا، أما عن دورها في سورية، فتذكر الدراسة أن قطر بمساندة سعودية حقيقية تقود عملية إرسال المساعدات المادية والسلاح لمعارضي النظام السوري، كما تؤكد الدراسة بشكل عام أن قطر لم تخف استعدادها لإقامة علاقات علنية مع إسرائيل بشرط أن تثبت إسرائيل من وجهة نظر قطر جديتها في العملية السياسية). وكان وزير الدفاع الصهيوني السابق عمير بيريتس أكد أن الإخوان المسلمين يتوفرون على أهلية أكبر لدفع حماس إلى القبول بمعاهدة سلام مع (إسرائيل)، وثمة تأكيدات في النقاشات الداخلية (الإسرائيلية) حول الثورات العربية على الحظوظ التي قد تحملها هذه التطورات لصالح (إسرائيل)؛ والحقيقة أن أصحاب هذا الرأي ليسوا من المهمشين، بل إنهم من الشريحة المثقفة والأكاديميين والسياسيين المرموقين في المجتمع الإسرائيلي، وتدعو هذه الجماعة إلى أن تنخرط (إسرائيل) بفعالية أكبر في الأحداث التي تعصف بالعالم العربي – وذلك على الرغم من جميع التطورات الطارئة الحالية – في صالح تحسين العلاقات مع الدول العربية وأن تراهن على سياسة ملتزمة ومنفتحة عوض سياسة الانسحاب والعزلة. ولهذا فإنهم يجادلون لصالح إلقاء نظرة تمييزية على التحولات في العالم العربي، ويؤكدون أن السياقات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية للثورات العربية تختلف من بلد إلى آخر.

وعلى هذا الأساس فالتعاطي (الإسرائيلي) مع هذه الثورات يجب تبعاً لذلك أن يكون متنوعاً ودقيقاً حسب كل بلد على حدة. ويجب على الخصوص استطلاع إمكانيات القيام بإجراءات ومبادرات إيجابية من طرف (إسرائيل). والحقيقة أن ثمة جهداً كبيراً من قبل القائمين على ما يسمى بـ (الثورات) في العالم العربي لتحسين صورة إسرائيل وإظهارها على أنها أكثر حرصاً على المواطن العربي من أنظمته القائمة. وأغلب ممثلي هذا المعسكر لا يذهبون بفكرهم في هذا نحو دعم سياسي أو عسكري فقط للمسلحين فيما يسمى بـ(الثورات) بقدر ما يفكرون في نوع من الانخراط الموضوعي يتخذ مثلاً شكل مساعدة إنسانية. وبالرغم من تقديمهم للدعم المادي والمعنوي وكذلك الدعم بالسلاح، إلا أن الحذر الصهيوني من الدعم العسكري يبقى سرّياً إلى حدّ ما، بسبب تبعاته وبسبب الكراهية العربية الشعبية المتجذّرة للصهاينة. لقد أدركت الولايات المتحدة وإسرائيل أن ما سمي (ثورات الربيع العربي) ليست موجهة ضدها أو ضد إسرائيل، ولذلك فقد تم احتواء هذه (الثورات) أمريكياً وصهيونياً، وبدعم مالي كبير من عدد من دول الخليج، التي لم تكن في يوم من الأيام سوى المنفّذ الفعلي للمخططات الأمريكية والصهيونية في المنطقة العربية.

العدد 1105 - 01/5/2024