مزيد من المواليد ولا حلول في الأفق

هذه المرّة لن نتحدث عن أرقام ونسب حول زيادة عدد السكان في سورية والنمو السكاني الذي سجّل في عام 2011 مرتبة ثانية بين الدول العربية بحسب دائرة البرامج السكانية، فالأرقام في السنوات الأخيرة غائمة ولا يظهر فيها زيادة عدد أو انتقاصه، بل الوحيد الذي من البساطة تلمّسه هو الاستمرار بزيادة نسبة الولادات…!!

رغم كل ما يحدث من حرب ودمار وتهجير ونزوح ولجوء، فإن الأسر السورية ما زالت مثار عجب واستنكار من الآخرين، بسبب استمرارها في الإنجاب دون أي حساب لما يحدث من هذه التغييرات التي تطرأ على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فمراكز اللجوء المؤقتة ومخيمات اللاجئين السوريين لا تخلو من مواليد جدد بشكل مستمر، ما أثار دهشة العاملين في المنظمات الإنسانية كاليونيسيف وغيرها، فكيف يمكن، بالرغم من أوضاع السكن غير المستقرة والتي لا تتمتع بالخصوصية، ألا تتوقف النساء عن الإنجاب، أو على الأقل أن تكتفي بعدد قليل من الأولاد؟؟

تساؤلات حاولنا الإجابة عنها من خلال لقاءات مع الأسر نفسها، ومع الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين والطبيبات النسائية، لكن لم نجد الحلّ الشافي لقضية تحتاج إلى أبحاث عميقة تتعلق بالمفاهيم الدينية والرغبة في البقاء والأفكار المتعلقة بالتحدي والفحولة النسائية والذكورية والأمراض والمشاكل النفسية والاجتماعية التي لم تجد طريقاً إلا الإنجاب بديلاً من التفريغ عن الإحباط والغضب والألم والعنف، وكذلك القوانين التي لا تحمي النساء، فالمرأ ة ترى أن الإنجاب هو طريقة لحماية نفسها من الطلاق أو من أن يتزوج زوجها عليها أو من طردها خارج البيت، وكذلك القوانين التي ما زالت تعتبر الإناث غير حاجبات للإرث، فيبقى في ذهن المرأة والرجل أن إنجاب الصبي هو الأهم مهما أنجبوا من فتيات، إضافة إلى مفاهيم الضمان والأمان الذي تضخّم بسبب انسحاب الحكومات المتعاقبة من تعميق مفهوم الدولة الضامنة للشيخوخة والمرض والفقر، ما رسّخ مفهوم الوجود المتعلق بالأطفال وكثرة عددهم..لكن الكارثة تهدد السوريين أينما حلّوا بسبب الإنجاب غير المدروس والعشوائي دون مبالاة لأطفال يولدون مرضى أو معاقين أو مشوّهين بسبب الأوضاع السيئة التي يعيش فيها الأهل، وكذلك الأمراض الموروثة التي لا يهتمون بأخذ الاحتياطات عند الزواج أو الحبل، فالإنجاب لا يخضع لقرار مدروس إنما للرغبة فقط، وهذا ما يجب دراسته وبحثه من رأس الهرم إلى القاعدة وبالعكس، ولن يحلّ دون بحوث جديّة يجريها خبراء من الاختصاصات، فالمشكلة عميقة وممتدة.

العدد 1105 - 01/5/2024