الأطماع الأمريكية لاحتضان أوكرانيا تخدم روسيا!

المراقبون للشأن الأوكراني يصفون الأزمة المتفجرة في أوكرانيا بـ(الانتقال)، إلا أن هذا الانتقال يحدث بتداعيات متسارعة.

منذ بدء الأزمة التي دبرتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، بالتنسيق مع عملائها  في الداخل الأوكراني، استُخدمت سائر الوسائل وأساليب الضغط والتدخل غير المباشر من قبل واشنطن وحلفائها، لدعم المتطرفين الأوكرانيين الذين اغتصبوا السلطة بعد أن انقلبوا على اتفاق لتشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات رئاسية، إلا أن كل هذه الممارسات من الحكومة الأوكرانية المؤقتة وداعميها، أو بالأحرى أسيادها، قادت إلى نتائج لمصلحة روسيا، والسؤال كيف حصل ذلك؟

لقد تعاملت روسيا مع الأزمة من منطلق درايتها بالشأن الأوكراني، ومع الواقع الأوكراني كما هو، م أتاح لها فرص التحركات النشطة والخطوات الثابتة والمتواصلة، فقد تمكنت خلال فترة وجيزة من أن تمسك بحلقات أساسية، أبرزها دعم جمهورية القرم في الانفصال عن أوكرانيا والعودة إلى الحضن الروسي، وكذلك نجحت روسيا في إثارة مستحقات سكان إقليم شرق أوكرانيا المنحدرين من أصول روسية، على ضوء ما تعرضوا له من تمييز وقمع من السلطات الأوكرانية الجديدة.

إذاً، فالدور الروسي في أوكرانيا كان أبعد من رد فعل على نسف سلطات كييف لاتفاق 21 شباط ،2014 الذي كان يمثل خريطة طريق للخروج من عنق الأزمة، فالروس يرون أن مستقبل أوكرانيا يكمن في إعادة بنائها على أساس فيدرالي، تجاوباً مع تطلعات الأقاليم في شرق وجنوب شرق أوكرانيا، بينما يرفض المسؤولون الجدد في كييف هذا التوجه، ما أدى إلى بديل وهو الانفصال والانضمام إلى روسيا.

في المقابل، تعامل الغرب عامة، والولايات المتحدة خاصة، مع الأزمة الأوكرانية منذ بدئها على قاعدة التحريض والدعم لجماعات يمينية فاشية متطرفة لاغتصاب السلطة بالقوة، وذلك انطلاقاً من المصالح الخاصة لواشنطن وحلفائها، وفي مقدمة هذه المصالح خلق متاعب لروسيا، واحتضان أوكرانيا، تمهيداً لضمها إلى حلف الناتو والسيطرة عليها كاملاً، علماً بأن هذا التحشيد الهش يعكس بشكل أو بآخر أوضاع جبهة الغرب عموماً، ذلك أن الأوربيين ليسوا جميعاً في توافق كامل مع السياسة الأمريكية، سواء كان ذلك في مواجهة الأزمة الأوكرانية، أو بالنسبة للتعامل بالعقوبات مع روسيا كما حصل ويحصل حتى الآن.

من جهة أخرى لجأت الولايات المتحدة إلى ممارسات صبيانية استعراضية واستفزازية في الوقت نفسه، لا جدوى منها في التأثير على مواقف روسيا، ومن هذه الممارسات البهلوانية التحركات العسكرية في المياه والبلدان الواقعة غرب روسيا. ويفسر المراقبون السياسيون هذه التحركات بأن الإدارة الأمريكية وجدت نفسها، أمام الخطوات الروسية الاستباقية المدروسة، في حالة (انعدام وزن) ناجم عن خلافات داخل الولايات المتحدة نفسها، وقد ظهر هذا الخلاف واضحاً أثناء مناقشة الكونغرس لمسألة تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا بمبلغ 10 ملايين دولار، إضافة إلى رسالة المتقاعدين الأمريكيين العسكريين للرئيس أوباما التي طالبوا فيها بالحوار مع روسيا بشأن الأزمة الأوكرانية، والتي عبروا فيها أيضاً عن رأيهم القائل (بأنه لا فائدة لأحد، وخاصة للأمريكيين، من الخلاف مع روسيا).

وكانت الحلقة الأكثر ضعفاً أمريكياً بشأن الأزمة الأوكرانية، هي تعامل الحكومة الأوكرانية المؤقتة مع الأزمة وإقدامها على خطوات ما كان يجب أن تُقدم عليها، كما يرى المراقبون السياسيون البارزون المتابعون للشأن الأوكراني، ومنها: عدم انتظار الانتخابات الرئاسية في 25 أيار ،2014 والإقدام على اتخاذ إجراءات غير شرعية مثل تعديل الدستور، وإلغاء أحقية اللغة الروسية التي تعني العديد من الملايين من السكان، والقيام بحملات مطاردة واعتقالات لقيادات سياسية ونقابية، وإثارة زوابع الفوضى، وحصار المدن في شرق أوكرانيا وجنوبها.

والجدير بالذكر، أن سياسة الحكومة المؤقتة وممارساتها كانت أقرب إلى (الانتقامية) و(الاستفزازية)، وهي التي أدت إلى انفصال (القرم) وإلى تطلع مقاطعات أوكرانية أخرى إلى الانفصال أيضاً والانضمام إلى روسيا، وتسببت كذلك في مواجهات داخلية عنيفة، خاصة بعد زج الجيش الأوكراني في الصراع مع السكان المدنيين، وقمح المحتجين في شرق البلاد، وسقوط ضحايا من الأبرياء خلال العمليات الدامية التي قامت بها عناصر متطرفة فاشية موالية للحكومة المؤقتة. ومن أفدح أخطاء الحكومة المؤقتة المدعومة خاصة من الولايات المتحدة والغرب ضمّ ممثلين للمتطرفين اليمينيين ذوي النزعة الفاشية إلى الحكومة المؤقتة، واستبعاد ممثلي القوى الأخرى، هذا إلى جانب تجديد التجنيد الإجباري، مع الإبقاء على السلاح لدى الميليشيات اليمينية الفاشية المتطرفة.

باختصار.. يخلص المراقبون السياسيون إلى أن الحكومة الأوكرانية المؤقتة مازالت تواصل ارتكاب الأخطاء الفادحة، وهذا يعني الدفع باتجاه حرب أهلية مدمرة، وكل ذلك بتشجيع ودعم من إدارة أوباما خاصة، ومن الغرب عامة.

العدد 1105 - 01/5/2024