الانتخابات والإقبال الشعبي

هذا الإقبال الشعبي على صناديق الاقتراع لم يكن مفتعلاً، وما حدث أمام السفارة السورية في بيروت والسفارات الأجنبية في أماكن أخرى دليل على ذلك ولا يمكن لأجهزة المخابرات السورية أن تصنعه.

رأيت بعيني وسألت الكثير من معارفي وأقربائي عن الإقبال على صناديق الاقتراع في أحيائهم، وكانت الإجابات متطابقة : هناك إقبال كبير من كل شرائح الشعب نساءً ورجالاً، وكان ذلك لافتاً وخارج كل توقعات المعارضة ومَن وراءها، وتبددت الكذبة الكبيرة التي صاغها الإعلام الغربي وأتباعه في المنطقة عن موقف الشعب السوري من (الديكتاتور القاتل لشعبه)، وسيتأمل الغرب هذه الصورة كثيراً ليصحح الكثير من تقارير عملائه المغلوطة.

لقد أقبل الشعب السوري على الصناديق لا لينتخب شخصاً بعينه ! بل ليتمسك بوطنه حراً مستقلاً ذو سيادة وليقول (لا) قوية، لمن يدمرون بلده ويقتلون أبناءه، لقد أراد أن يقول : أريد وطناً آمناً عزيزاً لكل السوريين.

صحيح أن هناك الكثير من الإنتهازيين الذين حولوا هذه المناسبة إلى ساحة مزايدات مقرفة! تجلت أكثر ما تجلت بإطلاق النار الكثيف الذي أدى، في كل المحافظات التي شاركت في الانتخابات، إلى إصابات وشهداء في صفوف المدنيين! لكن علينا مع ذلك ألا تغيب عن ذهننا العبرة الأساسية : لقد قال الشعب السوري كلمته بطريقته، رغم كل القذائف والإعلام المعادي ورغم المعارضة (اللاوطنية) ومقولاتها في التشكيك بشرعية الانتخابات ونزاهتها للتقليل من أهميتها، هذه المعارضة التي تفهم تماماً ماذا يعني هذا الإقبال على صناديق الاقتراع! إنه تجريد لها من أية شرعية تتشدق بها بأنها تمثل الشعب السوري، لكنها لا تريد الاعتراف بهزيمتها الأخلاقية والإنسانية والسياسية، لقد قال الشعب السوري ما يريد بطرقته وأثبت أنه أقوى وأوعى من أن يهزم.

لقد بدأت مرحلة جديدة في تاريخ الصراع في سورية وعليها: حُسمت تماماً مسألة إسقاط الدولة السورية وتفكيكها، وتبين عدم إمكانية تطبيق السيناريو الليبي فيها، وفشل بذلك المشروع الأمريكي (مشروع الشرق الأوسط الكبير) على صخرة الصمود السوري جيشاً ودولةً وشعباً ! صحيح أن ذلك كان بمساعدة الأصدقاء الاستراتيجيين، لكن ذلك ما كان لينفع لولا صمود الجيش السوري، وبات القضاء على الإرهابيين مسألة وقت لا أكثر.

لقد بدأت مرحلة جديدة في تاريخ الأزمة السورية عنوانها إعادة الإعمار، ولاشك في أنها مرحلة صعبة تحفّها المخاطر والمطامع من مراكز الفساد التي ستحاول سرقة ملايين الليرات من عرق السوريين، كما فعلت أثناء الحرب، عندما تاجرت بأقواتهم ولقمة عيالهم، هذه المرحلة تحتاج إلى تكاتف جميع الوطنيين السوريين لمواجهة طغم الفساد وفضحها والوقوف بوجهها. 

يبقى لأمل قوياً في أن هذا الشعب العظيم، الذي لاقى الويلات في هذه الحرب الظالمة الطاحنة، أن يقف أمام طغمة الانتهازيين الداخليين الذين مازالوا يعيثون في وطنه فساداً، كما وقف أمام هجمات التتر الجدد وبقي صامداً.

العدد 1104 - 24/4/2024