السعودية.. تاريخ وتآمر!

لن نخوض كثيراً في تاريخ المملكة العربية السعودية، وكيف تأسست، فقد كانت أولى مذابحها في (الدرعية) مع قبائل نجد والحجاز، وبنيت على جماجم الشيوخ والنساء والأطفال، وقد كشفت الوثائق السرية البريطانية التي أفرج عنها مؤخراً، أن السعودية هي مشروع بريطانيا الأول، بوصفه مقدمة تهدف بالأساس إلى قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، والوقوف في وجه أي مشروع وطني تحرر رافض لكل أشكال التبعية والهيمنة. ولم يعد اليوم خافياً على أحد مدى العلاقة الوطيدة التي تربط المملكة بالعدو الصهيوني، والتي استمرت في طي الكتمان طوال العقود الستة الماضية، لتكشف عن وجهها القبيح مؤخراً دون مواربة أو خجل.

وقد كانت المملكة مولوداً نجيباً مطواعاً ومنفذاً لكل المخططات التي رسمتها وترسمها دوائر القرار الاستعمارية، وقد ترجمت هذه الأفعال والتوجهات عندما لم يرق لأصحاب القرار تبلور الاتجاه الوطني والتحرري مع بداية انحسار عصر الاستعمار القديم، وخاصة التوجه لقيام الوحدة بين سورية ومصرة وولادة الجمهورية العربية المتحدة، فقد انبرت السعودية لتنفيذ مخطط اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، للحيلولة دون قيام الوحدة في أوائل 1958 وقبل إجراء الاستفتاء عليها، ورصدت مبالغ مالية لتنفيذ هذا العمل، وقد أنيطت هذه المهمة برئيس المكتب الثاني عم الحميد السراج، وجرى دفع سلفة كدفعة أولى، على أن يستكمل الباقي بعد التنفيذ بموجب انقلاب عسكري.. إلا أن المذكور، بعد قبض السلفة، أبلغ الرئيس عبد الناصر بهذه المؤامرة الكبيرة، وتم كشفها على الملأ من شرفة قصر الضيافة بدمشق، بما يدلل على غدر مملكة الحقد بالأشقاء ودورها التآمري.

واستمراراً لنهج التآمر الذي درجت عليه المملكة، تأتي رسالة الملك فيصل إلى الرئيس ليندون جونسون عام 1966 قبل عدوان 1967 التي نشرت مؤخراً على نطاق واسع في الصحافة والمواقع الإلكترونية، يطلب فيها أن تقوم الولايات المتحدة بدعم إسرائيل لتنفيذ هجوم خاطف على مصر، تستولي به على أهم المواقع الحيوية، باعتبارها العدو الأكبر، تضطر بعد ذلك مصر لسحب جيشها من اليمن، وإشغالها مع إسرائيل لمدة طويلة، وأن يشمل الهجوم سورية مع اقتطاع أجزاء من أراضيها كي لا تتفرغ هي الأخرى لسد الفراغ بعد سقوط مصر، ولابد من الاستيلاء على الضفة الغربية وقطاع غزة، كي لا يبقى للفلسطينيين أي مجال للتحرك، وقطع أملهم بالعودة وتسهيل توطينهم في الدول العربية، ولم يُستثن العراق من مضمون الرسالة من حلقة التآمر هذه، وتشير  الرسالة أيضاً إلى أن المملكة على استعداد لتقديم المعونات، ونخشى أن تكون المساعدات التي تقدمها السعودية لمصر هذه الأيام تطبيقاً لهذه الرسالة بعد خمسين عاماً على تسطيرها!

هذا هو  الملك فيصل الذي سُوق لنا على أنه الرجل العربي الذي قطع النفط عن أوربا بعد عدوان 1967 ورفض عودته إلا بعودة القدس، ليغطي على رسالته سالفة الذكر، ولكن الغرب لا يرضى أن يؤشر إليه بالبنان من تابعيه، فدفع حياته ثمن خطأ، على يد أحد أفراد العائلة المالكة، واتهموه فيما بعد بالجنون.

وتأتي خطة بندر بن سلطان التي أعلنت على الملأ في أوائل أيام الحراك في سورية وهي الموضوعة عام 2008 وتضمنت الخطوات العملية المتتالية لإشعال الفتنة في سورية، وتدرجت بشكل متوال كما بينت الأحداث على الأرض دون الحاجة إلى ذكرها.

إن السعودية، هذه الأفعى الصحراوية الرقطاء، التي نفحت سمومها بكل هذا الحقد الأسود، استشعرت بأن ارتداداته القذرة، التي جعلت من المنطقة العربية كلها في حالة من انعدام الوزن السياسي، وقد صدرته بفكرها الوهابي المتخلف، ورعته إعداداً وتمويلاً وتسليحاً، بدأت طلائعه في مملكة الحقد مع عودة بعض الإرهابيين من سورية، وبدأت هي وغيرها من الدول التي تدخلت فيها تعد العدة للتعامل مع عودتهم، فأعلنت عن اكتشاف خلية إرهابية، واعتقال بعض عناصرها، وملاحقة البعض الآخر، وأصدرت القوانين المساعدة على ذلك، وعرّفت الإرهاب تعريفاً شاملاً يغطي كل أفعاله وأشكاله المباشرة وغير المباشرة، ومنحت لنفسها حق الملاحقة وفرض العقاب، وأن هذه الأعمال والأفعال تسمى بداخلها إرهاباً، وعند غيرها تسمى ثورة تستوجب منها الدعم والرعاية.

بعد كل حلقات التآمر التي سبقت الإشارة إلى بعضها، ولم يجر التطرق إلى بعضها الآخر، والتي قامت بها مملكة الفضائح تحت سقف الجامعة العربية، وتحت شعار حماية الأماكن المقدسة ومسمى العرب والعروبة والتضامن العربي ووحدة الصف العربي، إلى آخر هذه المسميات ونحن هنا لا ندعو إلى التخلي عنها، ولكننا نتساءل: لماذا لم يجر فضحها ووضع حد لها؟ ومن المؤسف أيضاً أن تقوم هذه المملكة بهدر الأموال العامة على تصنيع الإرهاب، وتجنيد المرتزقة وشراء السلاح والتآمر على الشعوب بدلاً من المحافظة على هذه الثروة، لأنها ملك للأجيال القادمة، وأن توظف هذه الأموال في مشروع حضاري نهضوي ريادي يطور البلاد وينعكس إيجاباً على الدول العربية.

لكن السعودية ارتضت لنفسها أن تكون نظاماً خارج التاريخ، ومنفذاً لإرادة الغرب ومشاريعه الهادفة إلى إبقاء المنطقة في حالة من الضعف والاقتتال والتخلف والفرقة، إلا أن الشعوب وإرادة الحياة هي الأقوى، والنصر حليفها دائماً.

العدد 1104 - 24/4/2024