الاقتصاد السوري تحت خطر «الدولرة»

دولرة الاقتصاد، قضية مستجدة على الاقتصاد الوطني، ظهرت بوادرها نتيجة ارتفاع أسعار الصرف إلى مستويات قياسية جديدة غير مسبوقة، إذ تجاوزت مطلع هذا الأسبوع حاجز 150 ليرة، ما أثار القلق والتخوف لدى الكثيرين من المواطنين وأصحاب المدخرات الصغيرة. وبدأ بعض التجار بفرض التعامل بالدولار بدلاً من الليرة السورية في عمليات التجزئة، كالبيع المباشر للمواطن، وهوما يتعارض ويخالف كل القوانين والأنظمة النقدية والمالية النافذة، لكن لا حسيب ولا رقيب يضع حداً لتجاوزات تمس بأحد رموز السيادة الوطنية  أي العملة. وذهب  بعض التجار أبعد من ذلك وأطلقوا العنان لشهوة الربح والمال، وطبقوا ما يناسب تطلعاتهم في جني ثروات طائلة، بشكل سريع، مستفيدين من الأزمة الخانقة في سورية. ورغم أن معظم الاقتصاديين والخبراء والمحللين نفوا أن يكون ما يجري هو دولرة بالمعنى الحقيقي للكلمة، إلا أن انتشار هذه الظاهرة على مستوى تجار المفرق، ينذر بمخاطرها الكبيرة القادمة على العملة الوطنية والاقتصاد ودخل المواطن في آن، كما لا يمكن التخفيف من شأن هذا الأمر الذي يلحق الضرر بالجميع، لحساب فائدة فئة قليلة جداً، من تجار العملة والمضاربين، وتجار الأزمات والمشاركين في صنعها. لا يهمنا اليوم إن كانت الدولرة جزئية أو كلية، ولا يطمئننا أنها ظاهرة تجري على نطاق ضيق، بل ما يثير انتباهنا أن هذه الظاهرة موجودة، وهي في بداياتها، والمتعاملون بها في أسواق معروفة ومحددة، ويمكن للجهات الرقابية الوصول إليها، ليظهر التساؤل: لماذا لا تعالج فوراً، ويحاسب المسيئون للعملة الوطنية مباشرة؟ وما يثير التساؤل، ما يقوم به المصرف المركزي، فهو تارة يقلل من أثر ارتفاع أسعار الصرف، مخالفاً قواعد العمل النقدي والمالي، وتارة أخرى يقدم وعوداً لا ينفذ منها شيئاً، أو يتخذ إجراءات لا تسمن ولا تغني من جوع، وتؤدي عكس المراد منها. وعلى سبيل المثال لا الحصر تكراره حالياً فكرة بيع القطع الأجنبي لشركات الصرافة والمصارف، رغم أن تجربة الفترة الماضية كانت تفوح منها رائحة الفساد. لتُترك العملة الوطنية وأسعار صرفها، والإساءة إليها، لفئات غير عابئة بمخاطر ما يحدق بالليرة، ولا يهمها إن بقيت صامدة ومتينة وقوية، أو أنها تهاوت وتعرضت لمخاطر الانهيار.

العدد 1105 - 01/5/2024