هل أنا حقاً في دمشق؟

في مشهد ربيعي رائع، حيث الطريق مفروش بالزهور الليلكية المتساقطة، والأشجار المتشابكة تحدد لي وجهة المسير في إحدى حدائق دمشق العامة، النسمات اللطيفة تداعب وجهي بحنوّ، وسحر الطبيعة أخذني لأردد في نفسي: هل أنا حقاً في دمشق؟ هل انتهت الأزمة أم أنها كانت حلماً مزعجاً ومضى؟؟!! تنهدت من أعماقي بامتزاج الأسى بالحب والأمل ورددت: (حلوة يا بلدي!).

مشاهد غريبة بدأت تطالعني.. أن تكون الحدائق العامة ملتقى للعشاق فهذا يضفي من ألق الحب على ألق الطبيعة.. اعتدنا مشهداً يتوارى فيه المحبون بين الأشجار ليختلسوا نظرة أو لمسة ..أو ينزوون في مكان غير واضح ليطبع الحياء الأنيق لقاءاتهم … في نزهتي رأيت عشاقاً غريبين عن تراث مدينتي يتبادلون القبل في طريق المشاة أمام المارة ويجلسون على المقاعد العامة بحميمية تخال نفسك أمامها وكأنك متطفل على بيوتهم… وكأنهم نسوا من خاطبهم (إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا). وراودني السؤال مجدداً: هل أنا حقاً في حديقة عامة في دمشق؟؟ وأتاني صوت فيروز عبر المكبرات ليؤكد لي مجدداً أنني في مدينتي ولم أهاجر من أرضها بعد، ولكن ربما هجرتها روحها.

واصلت مسيري وكأن ما رأيت مشهد عارض استثنائي، وشددت خطاي كمن يهرب من فضولية لم تقربني.. واستمرت المشاهد الوقحة تطالعني هنا وهناك، وتحولت متعة المشي إلى رياضة الهرولة هرباً من ذنب لم أرتكبه..

هل أنا حقاً في دمشق؟ كنت على يقين أننا في هذه الأزمة فقدنا شيئاً من الأمان والهدوء والألفة والجمال..و اليوم اكتشفت أننا فقدنا مع هذه كثيراً من موروثنا الأخلاقي… هل كان أحد آثار الحرب أن يكون كل شيء مباحاً دون ضوابط؟ وهل هناك متعة أو قيمة أو إنجاز أو حضارة في إباحية غريبة؟ هل حقاً نحن لا نجيد إلاّ الانتقال بين الانغلاق والفلتان وعلى جميع الصعد؟ أما لهذه الأزمة أن تنقلنا من فجاجة التطرف إلى نضوج التوازن؟ إذا لم نتعامل مع الأزمة على أنها فرصة لمزيد من النضج على جميع الصعد، فسنكون كمن رمى ثلاث سنوات من حياته في سلة المهملات…

العدد 1105 - 01/5/2024