بعض أسباب غياب النقد والفعل النقدي

مشكلتنا في النقد هي مشكلاتنا في الفكر العربي، والثقافة العربية. فهي بين الواقع القائم، والتنظير، وبين الأزمة والتفكير في حلها، بين المعطيات والمنهج في قراءة المشكلة وإرجاعها لأسبابها..هي بين الذات، والموضوع، بين التنظير، والتصور اللاحق لما يليه.

الاقتران بين الواقع، والممارسة يدل على واقعية الرؤية وإمكانية التطبيق، وإلا يكون الكلام عن المشكلة في جهة، والواقع في مكان آخر.

الانشطار الكبير في الرؤية بين الماضي التراثي، وكيف نتعامل معه ونقرؤه نقدياً، وبين الحاضر المُعاش الذي يفرض نفسه اليوم..وسط كل هذا التخبط والانهيار والتجاذب ومعادلة الداخل والخارج، والصراعات في الواقع العربي.

وسط كل هذا تغيب شروط تكوين/عقلية مهنية ذاتية/ مستقلة داخل الفكر العربي. هذا في جانب، وفي جانب آخر ينحو الفكرُ العربيُّ إلى الارتجال، والتخبط المعرفي، ويفتقد أدوات التحليل للواقع.

يعيش المثقف في /النقديِّ التنظيريِّ/ نوعاً من حالة القلق والاغتراب بين الذات والموضوع. يعيش ثنائية التأرجح بين الأنا التراثي ، وبين الآخر الوافد. وهنا يفتقد الكثير في بحثه، ويتمحور فكره في إطار معرفي غير مكتمل الرؤية، وغير مكتمل العناصر وخاضع للكثير من الذاتية.. الفكر لدينا بشكل عام يعاني من الانشطار، وإشكالية (الهوية النقديَّة) هناك من يرى أن مثقفنا العربي النقدي منه يتغنى بالتراث، ويتباهى بالمعاصرة الوافدة وبالتالي هو بين بين، على هامش الاتجاهين، وليس في قلب معركة التغيير النقدي ، يتصرف بنوع من التوفيق والتلفيق.. هذا النوسان لا يبلور /الشخصية النقدية/ وخطها المعرفي واضح الرؤية.

إذاً من الأسباب الرئيسية في عدم نشوء عقل نقدي هو عدم قيام كيان نقدي واضح الاتجاه والخيارات، ومستقل في بناء رؤيته النقدية على ضوء الواقع، وبناه الاجتماعية.

مسألة أخرى تعيق قيام النقد أنَّ الفكر النقدي لا يفصل بين العلمي والموضوعي، وبين السياسي والإيديولوجي. وغالباً يحصل الخلط في التحليل بين هذه القضايا، وبالتالي يتأثر النقد باتجاه أو آخر.

علم النقد حديثٌ في واقعنا العربي، ولم يحصل (التطور الديموقراطي) المطلوب، والجرأة المطلوبة لتتبلور مسارات نقدية تحمل وضوحها ، ومنهجيتها ولم تقم مؤسسات نقدية.. وفي النقد الاجتماعي غابت الدراسات الفلسفية الاجتماعية التي تحلل الواقع الاجتماعي بالعمق.

هذه الأسباب، والكثير غيرها الذي يتعلق بمعادلة القوى والحريات والمنابر والمتاح والإصغاء والإعلام، كلها ساهمت في غياب النقد والعقل النقدي.

العدد 1105 - 01/5/2024