غرفة العمليات المركزية في التجارة الداخلية.. هل ستكون طوق نجاة يلبي حاجات المواطن وبعيدة عن الفساد والمحسوبية؟

قامت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بإنشاء غرفة عمليات مركزية، هدفها حماية المواد الأساسية، مثل المحروقات والخبز، من الاستغلال ومكافحة تجارة الأزمات.

 وهذه الغرفة تتشكل من فريق تطوعي بمشاركة العديد من الشباب، إضافة إلى أنها تضم مفوضاً من اللجان الشبابية الأهلية التي تقود حملة (لقمة الشعب خط أحمر)، ومفوضاً من المخابز الآلية، وآخر من الاحتياطية، ومفوضين من مديرية تموين مدينة دمشق ومن ريفها، وآخر من شركة سادكوب.

وبيّن ممثل الغرفة في وزارة التجارة الداخلية نبيل إبراهيم أن الغرفة ستقوم ببيع نحو 2000 ربطة خبز أمام أفران دمّر الآلية بالسعر الرسمي 15 ل.س للمضاربة على المضاربين الواقفين أمام تلك الأفران، الذين يبيعون الربطة بأسعار عالية، واضطرار البعض لشرائها بهذا الثمن هرباً من الازدحام، كاشفاً عن إمكان أن تحضر اللجان الشبابية أيضاً أمام أفران منطقة العدوي الاحتياطية في اليوم نفسه.

ولفت إبراهيم إلى أن الغرفة بدأت تلقّي الطلبات من اللجان التطوعية حصراً، وهي الجهة الوحيدة المخولة بإصدار الإشارات للمفوضين في الغرفة، مبيناً أنه تم الحصول على الموافقة لتوزيع نحو 600 أسطوانة غاز يومياً، وستبدأ في أحياء بمدينة دمشق القديمة.

وأكد إبراهيم أن توزيع مادة المازوت التي تندرج في قائمة المواد الأساسية التي تقوم الحملة ببيعها للمواطنين بسعرها الحقيقي، سيبدأ من يوم الأحد القادم، دون أن يكشف عن اسم المنطقة حرصاً على حسن سير العمل دون معوقات أو مشاكل قد تظهر في هذا الجانب.

إذاً لجان شبابية متطوعة، والغرفة تضم العديد من الجهات المشرفة على المواد المتأزمة، سواء الغاز أو المازوت أو الخبز، وستبدأ عملية المضاربة على المضاربين في دمشق ببيع المواد بسعرها الرسمي من قبل اللجان الشبابية.

وهنا لا بد من التنبيه إلى قضية هامة وهي: كيف ستعمل هذه اللجان؟ وما هو الضامن من عدم انجرار بعض عناصرها وراء الفساد أيضاً، والتحول إلى تجار للأزمات فاعلة في السوق المحلية؟ وكيف وضعت الوزارة الضوابط على هذه القضية؟ وكيف ستضع الرقابة على عمل هذه اللجان؟ خاصة أن بعض الخبراء في المجال الاقتصادي نبهوا إلى أهمية مراقبة عمل اللجان الشبابية في حال اعتمدت وزارة التجارة الداخلية اتباع هذا الأسلوب في توفير المواد المتأزمة.

فقد ذكر أحد الخبراء أن اللجان هي نفسها تعاني فساداً كبيراً، بانياً رأيه على ما شُكّل سابقاً وحالياً من لجان شبابية، خاصة بتوزيع المازوت على الأسر في مناطق الريف، إذ باتت تلك اللجان تتقاضى أسعاراً زائدة كثيراً عن السعر الرسمي، وأخذت الواسطات تدق أبواب هذه اللجان، وبالتالي كما يقال: (عادت حليمة لعادتها القديمة)، أي لم نحصل على أي نتيجة إيجابية، بل على العكس تماماً، زادت الأزمة أكثر ولم يستطع المواطن الذي لا يعرف أحداً أن يحصل على نقطة واحدة من المازوت.

وبالطبع فإن عمل اللجان الشبابية السابقة المتعلقة بقضايا الغاز والمازوت شهد فشلاً ذريعاً، ذلك لأن هذه اللجان ضمت أفراداً غير نزيهين، وكانت يدهم ممدودة للفساد دون حسيب أو رقيب.

لذا يجب التنبّه إلى نقطة هامة، وهي أن فكرة إنشاء غرفة عمليات مركزية من شأنها المضاربة على المضاربين في السوق السوداء أمر جيد بل وممتاز، ولكن في حال فقدت هذه الآلية عنصر الرقابة على أداء عمل اللجان، فإن الأمر جد خطير، لأن هذه اللجان قد تتحول إلى لجان فساد بامتياز. وما أكثر طرق الفساد والتلاعب بمواد المازوت والخبز والغاز! لذا نؤكد أهمية وضع جهات رقابية تتمتع بحس المسؤولية الوطنية على عمل اللجان الشبابية.

وكانت إحدى الصحف المحلية ذكرت في تحقيق لها أن تجار الأزمات المتعاملين بمادة المازوت يحصلون على المادة من موظفي المحطات أنفسهم وبرواتب شهرية يتقاضونها. وكذلك الحال بالنسبة للغاز والخبز، فربطة الخبز تُشتَرى ب15 ليرة من أحد موظفي وعاملي الفرن، ويقوم تاجر الأزمة ببيعها ب50-75 ليرة. كذلك الأمر بالنسبة للغاز، فقد أخبرني أحد المواطنين، عن لسان أحد المسؤولين في مركز نهر عيشة لتوزيع الغاز، بأن بعض الموظفين في المركز يقومون بتخصيص 15-20 أسطوانة يومياً لبيعها ب 2000 ليرة سورية، هذا إضافة إلى ما يذهب هنا وهناك.. مشيراً إلى أن ما يتم تزويد المركز به من أسطوانات غاز يومياً لا يصل إلى المواطن منها سوى 75 أسطوانة على الحد الأكثر!

ومن هنا تأتي أهمية الرقابة ومحاسبة من يقوم بتسهيل عملية تجارة الأزمات في مؤسسات القطاع العام والخاص، سواء الأفران أو مراكز توزيع الغاز أو محطات الوقود، ومن ثم محاسبة تجار الأزمات.. لا أن نكتفي بمحاسبة تاجر الأزمات وترك مسبب الأزمة.

ولابد من تأكيد أهمية مكافحة ظاهرة (الاستثناءات)، فقد أصبحت دارجة كثيراً هذه الأيام، وهذا الأمر هو مفتاح الفساد في عمل هذه اللجان. فيمكن لشخص لديه قريب في لجنة شبابية أن يمنحه استثناء، أو أن يفضله على غيره من المواطنين، ممن لا يعرف أحداً في اللجنة الشبابية المسؤولة عن توزيع المواد الأساسية.

ولا بد من الإشارة إلى أن الوزارة وضعت رقماً خاصاً بغرفة العمليات وبالشكاوى وهو 5161147. ولدى سماعي على إحدى الإذاعات المحلية وكان الحديث مع مدير تموين دمشق، سأله المذيع بأن هذا الخط الساخن الذي خُصص لغرفة العمليات وللشكاوى تم الاتصال به مرتين ولم يجب عليه أحد! وهنا لا بد من تأكيد أهمية تفعيل الخط الساخن، لا أن يبقى بارداً أو مشغولاً باستمرار، (السماعة مرفوعة) كحال أرقام طوارئ الكهرباء التي تكون مشغولة غالباً.

ونود أخيراً تأكيد أن ما يهم المواطن هو تأمين مستلزماته الأساسية، وخاصة الخبز والمحروقات، بأيسر الطرق وأسهلها، ودون أن يتعرض للابتزاز في الأسعار. وأن الطريق الوحيد إلى ذلك هو تدخل الدولة الإيجابي في طرح المواد التي تشهد اختناقاً في السوق المحلية، مع رقابة صارمة. وهذا الأمر من شأنه أن يضع تجار الأزمات في خانة (اليك)، مع عدم التهاون مع هؤلاء التجار، ومحاسبة كل مقصر في أداء واجبه.

العدد 1104 - 24/4/2024