في ظل «بدعة» الربيع العربي.. لم تعُد الأوطان أوطاناً!

عشية انطلاق ما أطلق عليه اسم (الربيع العربي)، تعددت الآراء حوله بين مؤيد له ومشكك وقاطع بفساده.. التسمية كانت (مغرية) ويبدو أنها صيغت من قبل خبراء ومتخصصين في السياسة وعلماء النفس في مراكز البحوث الأمريكية والغربية، انطلاقاً مما يعنيه الربيع للأرض والأحياء، فهو قرين الشباب والجمال، فكان لهذه التسمية أثرها في النفوس.

معلوم للجميع أنه قبل الربيع العربي أطلق الإعلام الغربي على أحداث تشيكوسلوفاكيا عام 1968 تسمية (ربيع براغ)، ولكنه فشل خلال شهور، ليعود إلى الانطلاق من جديد عبر تظاهرات آذار عام 1969 التي انتهت بالتخفيف من قبضة الحزب الواحد.

بداية الربيع العربي كانت في تونس ثم مصر وامتد إلى ليبيا، وبعد ذلك إلى سورية، وقد ظهر للجميع أنه أجاز تصدير الديمقراطية الغربية، كما هي، ودون حواجز أو ضوابط إلى هذه الدول، بل عمل على تصدير الفوضى والخراب والدمار إلى هذه الدول، تمهيداً لتجزئتها وتقسيمها إلى دويلات على أسس طائفية وعرقية.

في مصر قدم الأمريكيون الدعم لجماعة الإخوان المسلمين لتصل إلى حكم مصر، إلا أنها فشلت خلال عام واحد من حكمها، بعد أن حاولت (أسلمة) مصر بالكامل، وبعد ذلك قسموا الإسلام السياسي إلى (معتدلين ومتطرفين) لضرب الأخيرين بالأولين. ومازال الأمريكيون حتى الآن يدعمون (إخوان مصر) سراً ليقوموا بأعمال القتل والتخريب ومحاولات النيل من الجيش المصري.

أما ليبيا فقد تحولت إلى ساحة قتال بين الميليشيات المسلحة، بحيث أصبح المواطن الليبي يقف حائراً بين نيران المتقاتلين، لا يدري من معه ومن ضده! ولم تبق هناك أية هيبة للدولة ومؤسساتها، والنفط الليبي يسرق ويباع للغرب.

وفي العراق ورغم مايعانيه من تداعيات الاحتلال الأمريكي، اجتاحت أرضه سنابك خيول الإسلام السياسي ممثلة بـ(داعش) وعاثت فيها فساداً وقتلاً، ليرتفع الهياج الديني إلى مستوى غير مسبوق وتزداد جرائم التفجير والسيارات المفخخة، وتمارس في أنحائه أبشع الموبقات ضد الإنسانية، كل ذلك يجري في ظل غض النظر من قبل أمريكا والغرب عنه، باستثناء بعض التصريحات التي تستنكر ممارسات (داعش)، ولكنها تحمل بين طيات عباراتها التحريض الطائفي تحت مسمى (إشراك جميع مكونات الشعب العراقي في السلطة)، وضرورة تشكيل ما تسميه أجهزة الإعلام الأمريكية والغربية (حكومة تمثل الجميع)، وبالتالي أصبح العراق في أوضاع يرثى لها، تزداد فيه يوماً بعد يوم إمكانات تقسيمه عبر إقامة الفيدراليات التي تبناها نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ سنوات.

أما في سورية فما يزال الدعم للمجموعات الإرهابية المسلحة التي تسفك الدم السوري وتستنزف الدولة السورية، ما يزال مستمراً من قبل أمريكا والغرب ودول الخليج العربي لاسيما منها السعودية وقطر.. والأغرب من ذلك أن واشنطن تُفرق بين (داعش) في العراق و(داعش) في سورية، وكأن هناك إرهاباً معتدلاً وإرهاباً غير معتدل، أو (متطرف) حسب  التصنيفات الأمريكية!

وهذا بطبيعة الحال خلط كبير للأوراق، واستمرار في محاولات التضليل واللعب بورقة (داعش)، واستمرار في المحاولات الأمريكية والغربية لإسقاط الدولة السورية، بحيث يخلو الجو للدوائر الأمريكية من أي عائق أمام فرض الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وتمكين إسرائيل من تصفية قضية فلسطين.

وفي تونس مازالت الجماعات المتطرفة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، تطل من قمقمها المظلم، مؤيدة من قبل شيوخ الفتنة ورؤسائها لمنع الوصول إلى حالة من الاستقرار في البلاد والهيمنة على السلطة فيها.

وهكذا يمكن القول على ضوء ما جرى ويجري في أكثر من بلد عربي، أنه في ظل ما يسمى (الربيع العربي) لم تبق الأوطان أوطاناً، بل تسلطت على عواصمها ومدنها (العصابات والميليشيات المسلحة والمافيات المؤلفة من آلاف القتلة والسارقين والمجرمين والمرتزقة الذين دربتهم وسلحتهم دول عربية ليمارسوا فيها أبشع الجرائم، بعد أن لبسوا لباس الدين ليكون قناعاً يغطي هذه الجرائم.

والسؤال: أين هي الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان التي يتشدق بها الغرب والتي اتخذ منها ستاراً لتنفيذ مخططاته ضد المنطقة العربية؟

لقد تحوّل ما يسمى بـ(الربيع العربي) إلى (خريف) وتحولت معه عدة ساحات عربية إلى ساحات معارك دامية وعنف غير مسبوق وتخريب وتدمير لكل ما بني بعرق الشعوب، في سياق مخطط خطير لتحويل بعض الدول العربية التي هبت عليها (رياح الخريف العربي) إليدول فاشلة وتابعة للولايات المتحدة والغرب عامة، لا تقوى على شيء، بل تتسول الغرب ليقدم لها المساعدات، مقابل أن تلتزم بتنفيذ سياساته واستمرار مصالحه.

العدد 1104 - 24/4/2024