واقع مؤلم لمزارعي الحمضيات في طرطوس..!

أجمع العديد ممن التقيناهم من مزارعي الحمضيات بطرطوس على أن الدولة تتحمّل قسطاً من المسؤولية عن تردي أوضاعهم وضياع إنتاج بساتينهم، لأسباب قالوا إنهم تحدثوا عنها مراراً وتكراراً وإلى أكثر من منبر إعلامي ومسؤول، ولكن دون أية نتيجة تذكر!

في إحدى قرى منطقة صافيتا التقينا بعدد من مزارعي الحمضيات، وقد تحدثوا إلينا بكثير من المرارة عن تهميش مطالبهم وعدم سماع صرخاتهم التي أطلقوها منذ أعوام عدّة، والتي تتحدث عن جملة من المشاكل المتكررة التي تعترض عمليات تسويق مادة الحمضيات:

 

السماد

السيد أبو ياسر، من منطقة الدريكيش، تحدث عن استلام السماد هذا العام فالسماد يُرَش في فترة محددة وبعدها لا جدوى تذكر من استخدامه !. هذا فضلاً عن زيادة الأسعار هذا العام كما سمعنا من مدير المصرف الزراعي، وتقدر تلك الزيادة بين 200و350 ليرة !

أما السيد آصف عباس فأكد أن الشجرة تحتاج إلى السماد سنوياً وقد كان أجدادنا يعتمدون على السماد الطبيعي ( روث الحيوانات) ولكن بعد انحسار تربية الماشية لدى المزارعين لأسباب عديدة فإننا نلجأ إلى السماد الكيماوي الذي تؤمنه وزارة الزراعة في مستودعاتها ولكن هذا العام عانينا كثيراً في الحصول على هذه المادة، وأعتقد أن الأوضاع التي تمرّ بها البلاد قد أثّرت على ذلك.

 

السموم والرشوش

السيد آصف تحدث عن ذلك قائلاً: أنا شخصياً لست مع المبيدات السامة لأن قسماً من هذه المبيدات لابدّ أن يتسرب إلى داخل الثمرة وبالتالي سيؤثر سلباً مع مرور السنوات على متناولي هذه الفاكهة، وقد جرّبت عدم رش الأشجار بالمبيدات وكانت النتيجة اختفاء بعض الحالات التي كنت ألمسها بين عام وآخر. لقد اعتمدت في المكافحة على الأعداء الحيويين التي تنتجها الدولة في مختبرات وزارة الزراعة وأستغرب – يضيف السيد آصف – عدم اعتماد الوزارة على هذه الطريقة في المكافحة بشكل أساسي وخصوصاً تلك التي تهاجم ذبابة الفاكهة التي هي من أشد الحشرات فتكاً بالحمضيات وببقية الفواكه. أمّا السيد مدحت علي من الدريكيش، وهو يملك بستاناً من الحمضيات يقدر عدد الأشجار المثمرة فيه بأكثر من سبعمئة شجرة مثمرة فيقول بأن المبيدات تتحكم بها الصيدليات الزراعية سواء من حيث السعر أم من حيث المادة، وخلال الأزمة التي يمر بها البلد احتكر البعض المبيدات ويقول بأن المقاطعة هي السبب في ذلك!!

 

التسويق

بالنسبة للواقع الزراعي فإنه يصحّ أن نقول للحكومة (أسمع كلامك أصدق، أشوف أمورك أستغرب)، فالصعوبات التي تعترضنا -يضيف السيد أبو ياسر- ليست جديدة بل هي قديمة وتتكرر معنا كل عام، وأنا سأضرب لك مثلاً: إذا كان الطن الواحد من الليمون يكلفني أكثر من 10000 ليرة ثمناً للسماد وللمبيدات ولأجور العمال وللنقل من البستان إلى السوق وثمن العبوات سواء أكانت من البلاستيك أم من مادة الفلين. الأسعار تتذبذب بين يوم وآخر فلماذا لا تصدر الحكومة تسعيرة للحمضيات تتناسب مع ما ينفقه الفلاح وتؤمن له تلك التسعيرة دخلاً عادلاً؟!.ولماذا لا تقدّم الدولة مثلاً العبوات بدلاً من تحكّم تجّار السوق بها وبأسعارها، لأنه من غير المعقول أن يصل سعر الفلينة فارغة هذا الموسم إلى 75 ليرة أو أكثر. في سوق الهال يتذرعون بعدم وجود شحن أو تسويق لكنني فوجئت بأن مابعته هذا العام بمبلغ 15 ليرة للكيلو الواحد يباع في السوق بحدود 35 ليرة تقريباً!!. أين التموين؟ وأين مراقبة الأسواق؟ وأين حماية المستهلك؟!

في بستان السيد مدحت علي شاهدنا كميات كبيرة من الليمون تحت الأشجار بسبب تردي الأسعار وموجة الثلج وتلاعب التجار الكبار في سوق الهال بالتسعيرة، وهنا يتساءل السيد مدحت بكثير من الألم والحزن عن دور التموين وحماية المستهلك وعن تعويضات الحكومة عليهم أسوة بباقي المزارعين في سورية سواء أكانوا من مزارعي القمح أم القطن في باقي المحافظات!!

 

الوحدات الإرشادية

ينحصر عمل عناصر الوحدات الإرشادية بتقديم المضادات الحيوية.. والمُزارع مُجبر على البحث عن الصيدليات الزراعية، ومن يعملون فيها، أناس لا علاقة لهم بالزراعة أو بالمكافحة أحياناً، وهنا يتساءل السيد أبو ياسر عن عدم قيام عناصر هذه الوحدات بزيارات ميدانية لبساتين الحمضيات للوقوف على الآفات والأمراض التي تداهم بساتينهم وعندئذ يتمكنون من تشخيص الإصابة على أرض الواقع بشكل صحيح.. ثم ماهو المانع من وجود الدواء (المبيد) في الوحدات الإرشادية؟ ولماذا لاتقوم تلك الوحدات بتقديمه بأسعار مشجعة للمزارع بدلاً من ترك الأمر بيد صاحب الصيدلية الزراعية ليتحكّم بالأسعار كما يريد ؟! هذا ما أكده السيد مدحت علي الذي تساءل أيضاً عن عدم قيام مديريات الزراعة والوحدات الإرشادية بتوزيع المبيدات على المزارعين بأسعار تشجيعية منعاً لتحكّم الصيدليات الزراعية الخاصة بالأسعار!

 

خدمات لابدّ منها

لو نظرنا إلى ما كانت تقوم به مديرية الزراعة منذ زمن قريب فيما يتعلق بمادة التفاح مثلاً لرأينا الفرق.. فالدولة تقوم بتوزيع العبوات البلاستيكية للفلاح وتقوم أيضاً بتأمين شاحنات كبيرة لتسويق هذه المادة فضلاً عن وضعها التسعيرة التي تتناسب وجهد الفلاح وتتناسب أيضاً مع ما ينفقه على الشجرة والأرض سواء لجهة السماد أو المبيد أو عمليات الفلاحة والتعشيب وجني الإنتاج! فما هو المانع – يقول السيد أبو صالح – من قيام مديرية الزراعة بتأمين العبوات وتوزيعها على مزارعي الحمضيات واستقدام آليات من المديرية لاستلام الإنتاج وتسويقه وإعطاء المزارع الثمن الذي يتناسب وما ينفقه على الطن الواحد من هذه المادة مثلاً ؟!

أمّا السيد شادي حسن فقد تحدث عن شيء آخر في غاية  الأهمية وهو ضرورة تعبيد الطرق الزراعية التي تصل بساتين الليمون بالطريق الرئيسي العام لأن ذلك سيوفر على المزارع الكثير من الجهد والتعب والوقت، فمن غير المعقول أن أقوم – يتابع شادي-  مثلاً بنقل أكياس السماد والصناديق مسافة بحدود 200- 300 متر على ظهري لأنه لا يوجد آلية تتمكن من الوصول إلى بستاني أو إلى بساتين جيراني!

أمّا السيد مدحت فقد تحدث عن أضرار مكب القمامة على الطريق الواصل بين الدريكيش وجنينة رسلان قرب مقصف البستان العائلي حيث يتجمع أكثر من أربعة بساتين للحمضيات تقدر أشجارها بنحو خمسة آلاف شجرة مثمرة، وهذا المكب هو بؤرة مناسبة لتكاثر الذباب والحشرات الضارة الأخرى، وأستغرب صمت البلدية والمحافظة عن وجود هذا المكب في هذا المكان!!

 

مطلب محق

رحب العديد ممّن التقيناهم بفكرة إقامة معمل للعصير الطبيعي في طرطوس ومركز توضيب وتغليف الفاكهة مما يساعدهم في تسويق محصولهم من الحمضيات وقطف بعض ثمار تعبهم بدلاً من تحكّم تجّار السوق والأزمات بإنتاجهم وهذا المطلب وضعوه برسم الحكومة الحالية والحكومات اللاحقة.

 

كلمة لابد من قولها

على الحكومة أن تنظر إلى الفلاح بعين المساعدة والرحمة وأن تضع القوانين والأسعار التي تتلاءم مع ما ينفقه والتي تكفل له الحياة الجيدة بعيداً عن المنغصات اليومية أو الموسمية.. والفلاح الذي يقضي أوقاته بين الأشجار وبين الصيدليات الزراعية وفي الأسواق لا يستطيع أن يتلقى الصدمات من كل حدب وصوب وهو الذي يعتمد على ما تنتجه أرضه بشكل أساسي كي يعيل أفراد أسرته!!

العدد 1107 - 22/5/2024